من قلب الريف التابع لعاصمة الشرق الجزائري وتحديدا بمنطقة أولاد رحمون بقسنطينة، نستلهم من تجربة المهندسة في التغذية مريم برّاق، التي برعت في رسم صورة مكتملة عن المرأة الريفية الجزائرية المشبعة بالعلوم الحديثة في المجال الفلاحي، فاستطاعت أن تجمع بين العلم الحديث والتجارب المتوارثة عن الأجداد في مجال صناعة الأجبان ذات الجودة العالية.
مطلع سنة 2023 كانت عائلة برّاق تنتج عددا محدودا من الأجبان، اعتمادا على حليب الأبقار المنتج من قبل الأهل في المنطقة، قبل أن تخوض تحدّي ولوج عالم صناعة الأجبان بسواعد وآلات محليّة بسيطة، تقول مريم: “أنا ممتنّة كثيرا لتوصيات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، فبفضلها وجدنا تسهيلات إدارية قبل انطلاق مشروعنا المتواضع”.
وتروي مريم لـ “الشعب” كيف بدأت حكاية عائلتها في صناعة الأجبان باستعمال قوالب يديوية، وبأيدي أفراد عائلتها سهرت مريم وأهلها على تحضير الجبن محليّا وتسويقه بصفة مجانية من أجل كسب ثقة الزبائن، قبل الشروع في صناعة حقيقية شارك فيها جميع أفراد عائلة برّاق.
اليوم، تروي مريم وبثقة وافتخار كيف استطاعت عائلتها تلبية الطلب على المستوى المحلي لبلدية أولاد رحمون، وتحقيق اكتفاء محلّي في الجبن البرّي “كاممبير”، لتنتقل بعدها لتسويق المنتج للبلديات المجاورة وحتى خارج ولاية قسنطينة وتصل إلى مدن كبرى كالعاصمة، سطيف، البليدة وغيرها.
وتطمح مريم وعائلتها في توسعة مشروعها الفلاحي وإيصال منتوجها لمختلف ولايات الوطن، ولمَ لا تصديره خارج البلد؟، مشيرة إلى أن جودة الحليب الذي توفره العائلات الفلاحية في المنطقة ساهمت بشكل كبير في إنتاج الأجبان بجودة عالية.
الفلاحة العائلية أساس الأمن الغذائي
يرى الخبير الفلاحي والمستشار السابق بوزارة الفلاحة والتنمية الرّيفية الدكتور أحمد مالحة، لـ «الشعب» أنّ الفلاحة العائلية والفلاحين الصغار هم أساس الأمن الغذائي لأي دولة، فمجموع إنتاج هؤلاء يفوق إنتاج الفلاحين الكبار وأصحاب المساحات الزراعية الشاسعة، وحتى أصحاب المستثمرات الفلاحية الكبيرة، ضاربا المثل في تربية الدواجن وإنتاج اللحوم البيضاء، إذ يعتبر المربّون الصغار أهم مورّد للسوق، لذا تسهر الحكومة على توفير جميع متطلبات الإنتاج لهؤلاء، من أجل ضمان الاستقرار في المنتجات الفلاحية في الأسواق المحلية على وجه الخصوص.
ويضيف الخبير أحمد مالحة، أن الأمثلة كثيرة وعديدة للفلاحة الأسرية التي استطاعت المساهمة في تحقيق الاكتفاء الغذائي لمنطقة معينة واستقرار الأسواق، لذا تدرك الحكومة جيّدا أن عليها الحفاظ على هؤلاء، مشيرا إلى التفاتة الرئيس عبد المجيد تبّون لمناطق الظل والتي تحوي على العديد من العائلات التي تمتهن الفلاحة وتتخذ منها مصدر رزق وحيد.
ويدعو الدكتور مالحة إلى عدم الاكتفاء بتوفير متطلبات التنمية، كتعبيد الطرق وتوفير الكهرباء الريفية، والتوجه نحو دعم الأسر الفلاحية بقروض مصغرّة، مقترحا استحداث آليات للتمويل تعفي الراغبين في الاستثمار الفلاحي مع عائلاتهم من تقديم ضمانات لا يمكن توفيرها من قِبلهم، وإنشاء بنك فلاحي متخصص في تمويل المشاريع الفلاحية المصغرة، كآلية تدعم التفاتة الرئيس لمناطق الظل والتي معظمها مناطق فلاحية بامتياز.
ويشير محدثنا، إلى أن الرّيف هو أساس الأمن الغذائي والتعويل عليه سيسمح بتوفير العديد من المنتجات، مشيرا إلى الأسر الفلاحية التي تقدّم منتجات، بالرغم من حالة الجفاف التي تسود العالم اليوم. كما دعا لمرافقة هذه الأسر التي تشكل استثناء مادّيا ومعنويا من أجل النهوض بالفلاحة على مستوى الريف، باستغلال الحيازات الصغيرة والتي يبلغ حجمها مجتمعة آلاف آلاف الهكتارات.
من مزايا الفلاحة العائلية أو الفلاحة الرّيفية، بحسب الدكتور أحمد مالحة، هو الإنتاج الوفير، فصغر المساحة يسمح للفلاح بالتحكم في جودة المنتج، كما بإمكان الفلاح الاعتماد على الطرق التقليدية في جميع مراحل حياة المنتج الفلاحي، أيّا كان نوعه. وذكر مالحة أن هذه الميزة تثبت أن الاعتماد على الفلاحة الأسرية بإمكانها تحقيق الأمن الغذائي وتثبيت الساكنة في الأرياف.
في ذات السياق، يرى المستشار السابق لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية، أن الفلاحة العائلية، مثلما تتميز بوفرة الإنتاج، تمتاز أيضا بتوفير منتج صحّي وذي جودة عالية، بفضل الأسمدة الطبيعية المشكلة من روث الحيوانات والخالية من أي مواد كيميائية، ناهيك عن صفاء المياه المستعملة وعذوبتها، وهي كلها عوامل تساعد على تقديم منتج وفير وآمن على صحة الإنسان.
ويرى الخبير الفلاحي أحمد مالحة، أن العائلات الفلاحية استطاعت الحفاظ على البذور القاعدية التي توارثتها على مدار عقود من الزمن ولا تزال تحافظ عليها في العديد من المنتجات، على غرار بذور القمح الجزائري الأصيل كـ “العتبة، الزناتي، البليوني..” وبذور أخرى لمنتجات غذائية تعتبر أساسية في موائد الأسرة الجزائرية.
ويعتبر الخبير مالحة، أن هذه الميزة تعتبر أساسية في الفلاحة العائلية؛ فتحقيق اكتفاء في البذور هو أساس جودة المنتج الذي تقدمه الفلاحة الريفية، على غرار ما تنتجه العائلات الفلاحية بولاية سوق أهراس، أقصى شرق البلاد، حيث أوضح محدثنا أن هناك من يوفر أكثر من 12 نوعا من البذور لفاكهة الكرز، وهو ما يوضح أن ذكاء أسلافنا في الفلاحة مكنّهم من توفير بنك جينات للبذور الأصيلة وطرق تخزينها، دون تلقي أي علوم في الفلاحة أو طرق التسيير الفلاحي الحديثة.
ويؤكد الخبير الفلاحي، أنّ من بين أسباب التغير المناخي هي الأسمدة الآزوتية التي تؤثر على المناخ، وتعود بالضرر في نهاية دورة حياتها على الفلاحة، مشيرا إلى أن العالم يتجه اليوم نحو فلاحة بيولوجية خالية من المبيدات والأسمدة الكيميائية، واستغلال الحيازات الفلاحية الصغيرة للأسر، يمكّننا من أن نستغني عن الكثير من المواد الكيميائية في دورة حياة المنتج الفلاحي.
الفلاحة العائلية حافظت على كل ما هو موروث جيني
من جهته، يرى رئيس الغرفة الفلاحية لولاية سوق اهراس حمزة بشّيحي، لـ «الشعب»، أنه يمكن تقسيم الفلاحة العائلية إلى قسمين أساسيين، أولها الفلاحة الصغيرة والتي تعتمد على أدوات بسيطة وتستغل مساحات لا تتجاوز نصف هكتار، وهي تستغل في غذاء المواطن الريفي مع عائلته، وتوفر دخلا بسيطا، فيما توجد هناك فلاحة ريفية تشمل جميع الفلاحين الصغار وتشكل حوالي 80٪ من الفلاحة الجزائرية، وهي تشمل المساحات التي لا تتجاوز 7 هكتارات في مختلف الشعب الفلاحية، أغلبها تهتم بزراعة الحبوب وتعتبر مصدر رزق وحيد للعائلات الفلاحية.
وأشار بشيحي لـ “الشعب” أن سوق اهراس كأنموذج عن الفلاحة العائلية، فهي منطقة لها تقاليد ضاربة في القدم في الميدان الفلاحي، وتعمل على توفير غذائها من أرضها منذ عقود، مشيرا إلى أن طريقة الإنتاج المتوارثة لدى الأسر الريفية تعتبر جودة في حد ذاتها ومعيارا خاصا للتفريق بين المنتجات.
وأشار رئيس الغرفة الفلاحية لولاية سوق اهراس، لـ «الشعب» إلى عمل العائلات الفلاحية بالمنطقة على تطوير العديد من المنتجات الفلاحية المتوارثة عن أسلافهم، وتمكنت العائلات الريفية من توفير بذور محلية عرفت رواجا كبيرا عبر الوطن، بسبب تميزها بمقاومة جميع الظروف المناخية، كما أنها تملك مواصفات من الناحية العينية والذوق، وحتى من الناحية الكيميائية التي تسهل حفظها لأطول فترة ممكنة.
ويرى حمزة بشّيحي أن الفلاحة العائلية بالجزائر عامّة، استطاعت الحفاظ على كل ما هو موروث جيني وكل ما هو خاص بطبيعة الفلاحة بالمنطقة، وهو ما سيسهم، لا محالة، في دعم مخططات الحكومة في تحدّي الأمن الغذائي، فهذا النوع من الفلاحة يستعمل أهله ما يدعى بالمصطلح التقني “بذور المزرعة”، وهو واحد من أوجه القوة لدى أي دولة لتحقيق الأمن الغذائي.
وأشاد محدثنا، بقرارات رئيس الجمهورية خلال اجتماع مجلس الوزراء، مطلع هذا الشهر، والتي أثلجت صدور الفلاحين وعائلاتهم، فقرار منح البذور لهذا العام بشكل مجاني وتأجيل سداد الديون حتى الثلاث سنوات القادمة، ناهيك عن الخطوات التي اتخذتها الحكومة سابقا لفائدة الفلاحين بشكل عام، لهو خير دليل عن جهود الحكومة واهتمامها بالفلاحة والفلاحين.
تربية المائيات بريف بسكرة تسهم في تعزيز الثروة السمكية
لم تعد تربية المائيات حكرا على مدن الساحل الجزائري في الجزائر الجديدة، ولم تعد المناطق الريفية بـ “عروس الزيبان” بسكرة حكرا على واحات النخيل والفلاحة فقط، فتربية المائيات عرفت رواجا لدى الشباب الراغب في خوض غمار تحدّي توفير هذه الثروة السمكية الغنية في غذائها.
فؤاد، واحد من بين هؤلاء الشباب الذين اختار برفقة إخوته خوض تجربة استزراع سمك البلطي الأحمر في الأحواض التي شيّدها على أرض وهبها له أحد أفراد عائلته. فبالرغم من قِصر التجربة، إلاّ أن نتائجها اليوم مشجعة على توسعة المشروع الذي انطلق، بحسب فؤاد، بـ10 أحواض، ليصل إلى أزيد من 40 حوضا يوفر أفراخ سمك البلطي الأحمر في السوق المحلية ببسكرة.
ويرجع فؤاد الفضل في نجاح مشروعه للتكوين الذي تلقّاه في معهد التكوين المتخصص في تربية المائيات ببسكرة، حيث تلقى رفقة زملائه تكوينا في مجال تربية المائيات المدمجة مع الفلاحة، بالإضافة إلى الدعم الذي تلقاه في بداية نشاطه بتوفير الأسماك الموجهة للاستزراع، وبفضل هذا الدعم حوّل فؤاد صحراء عرفت بإنتاج التمور إلى فضاء منتج للثروة السمكية.
سلّة غـذاء غنيّـة وآمنة
وتشكّل الفلاحة العائلية حوالي 80٪ من الفلاحة بالجزائر. وتبذل الحكومة الجزائرية جهوداً مضنية في سبيل دعم الفلاحة الأسرية المستديمة، إذ تواصل الدولة سياسة دعم تشييد سكنات ريفية لائقة، كما توفر متطلبات حياة كريمة للأسر الريفية، هذه الأخيرة تردّ جميل الحكومة بسلّة غذاء آمنة تدعم الأسواق المحلية وتسهم في تعزيز مخططات الحكومة لتحقيق الاكتفاء الغذائي، خاصة في ظل قرارات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون الشجاعة والرامية لتطوير الأداء الفلاحي والاعتناء بالفلاّح على وجه الخصوص.
بمزرعة بيته الصغير بأعالي جبال البويرة، يتوارى مصطفى بين سيقان نبتة الذرّة الصفراء العالية المحيطة بالمزرعة التي وإن بدت صغيرة في مساحتها، إلا أنّ إنتاجها وفير؛ فمصطفى لم يقصد سوق الخضر بالمدينة طيلة فترة نضج منتجات مزرعته، التي تجاور منزلا شُيّد بفضل الدعم الذي تلقّاه من طرف الحكومة ضمن برنامج السكن الريفي.
يروي مصطفى لـ «الشعب » كيف تخلّى عن المدينة وعن العمل في أحد مصانع الخواص والتحق بالرّيف في السنوات الأخيرة، مشمّرا عن ساعديه ليخدم الأرض برفقة أهله. فالعادة لدى سكان الريف أن تكون العائلة أول سند في الفلاحة، فدور المرأة الريفية في تحضير البذور والحفاظ عليها لا يقل أهميّة عن دور الفلاّح في تجهيز التربة وقيادة العتاد الفلاحي.
ويقول مصطفى، لم يعد هناك فرق بين الريف والمدينة، فكل شيء متوفر من كهرباء وغاز طبيعي وحتى شبكة الانترنت، كما لم تعد تعاني المناطق الريفية من ارتفاع في معدلات فقر الدخل، بفضل تجربة الجزائر الرائدة في دعم الفلاحة في الأرياف والدخل الذي صارت تدرّه الزراعة المدعمة بجميع أنواع القروض التي تضمن للفلاّح وفرة في البذور والأسمدة طيلة الموسم الفلاحي.
وعلى ذكر الدعم الحكومي للفلاحة الأسرية بالجزائر، تقرّ منظمة الأمم المتحدّة للأغذية والزراعة بتجربة الجزائر الناجحة في مجال تطوير الفلاحة الأسرية. كما تدعو المنظمة الأممية إلى “نقل التجربة الجزائرية إلى عديد الدول التي لا تزال في حاجة إلى الدعم التقني والمرافقة في مجال الفلاحة”.
ولم يأت اعتراف الهيئة الأممية من فراغ، فما تبذله الحكومة الجزائرية في دعم الفلاحة الأسرية، خصوصا في السنوات الثلاث الأخيرة، وفي ظل الجزائر الجديدة تعززّ بتوجيهات الرئيس تبّون لدعم الفلاّح والأسر الريفية، ورفع العراقيل البيروقراطية عن الراغبين في العودة للريف واستفادتهم من سكنات ريفية بعد أن أسقط شرط الحيازة وعقد الملكية للاستفادة من الدعم الذي يبلغ مليون دينار جزائري ببعض ولايات جنوبنا الكبير، فيما يبلغ بولايات الشمال 700 ألف دينار جزائري.
وبالإضافة للسكن الريفي، تسهر الحكومة، منذ تولي الرئيس تبّون سدّة الحكم، على تعزيز مكانة المرأة الريفية، حيث التزم الرئيس “بمواصلة العمل على التمكين الاقتصادي للمرأة وتحسين وضعها وإنشاء آليات لتعزيز المقاولاتية النسوية، لاسيما في المناطق الريفية”.
واتخذ الرئيس عبد المجيد تبّون، الذي يعول على الفلاحة لفك الارتباط بعائدات المحروقات، عديد القرارات التاريخية لفائدة الفلاحّين، كالقرار الأخير الذي أمر فيه بتعويض الفلاحين المتضررين من الجفاف ودعمهم بالبذور والأسمدة مجانا، في سابقة أثلجت صدور الفلاّحين برفقة عائلاتهم.
الفلاحة العائلية تشكل 80٪ من الفلاحة بالجزائر
من جهته، يسهب لـ «الشعب » رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة أحمد يزيد حمبلي في الحديث عن تاريخ الفلاحة العائلية في الجزائر، التي تشكل 80٪ من الفلاحة الجزائرية بشكل عام، مشيدا بهذا التصنيف الفلاحي الذي سمح للفلاحة الجزائرية بمقاومة كل التقلبات والأزمات الاقتصادية التي عصفت بعديد الدول، مشيرا إلى أن الجزائر عرفت استقرارا في أمنها الغذائي، مذكّرا بالاستقرار الذي شهدته الأسواق الجزائرية خلال فترة الأزمة الصحيّة، بفضل المنتجات المحليّة من إنتاج الفلاحة الجزائرية.
ويؤكد أحمد يزيد حمبلي، أن المنظومة الفلاحية في الجزائر تعتمد على الفلاّح وعائلته التي تربطه بأرضه علاقة وثيقة، موضحا أن الأرض تعطي لمن يخدمها، فالفلاحة في الأرياف تنبني على علاقة حب الفلاّح لأرضه، وهي أقوى من أي مصلحة ربحية أو تجارية قد تربط الإنسان بالأرض، وقال حمبلي “بالرغم من الغلاء الذي شهدته بعض المدخلات على الفلاحة، إلاّ أن العائلة الفلاحية لم تتخل عن أرضها، والفضل يعود لوجود رابط بين الأرض الفلاحية والأسرة التي تعتمد عليها كمصدر دخل وحيد”.
ويضيف رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة، أن الفلاّح الجزائري يمتلك بطاقة فلاّح لكن الصفة يحملها معه جميع أفراد عائلته الذين يساعدونه في أعماله الفلاحية، وهو ما يعكس تمسك الأسر الجزائرية بأرضها، ما سمح ببلوغ قطاع الفلاحة نسبة 14,7٪ من الناتج الوطني الخام، وارتقى بالجزائر إلى مصف الدول الرائدة في الأمن الغذائي، خاصة بعد أن وضع المؤشر العالمي للأمن الغذائي الجزائر في المركز الأول بالقارة الإفريقية وفي مكانة متقدمة عالميا.
ويدعو حمبلي إلى تثمين وتأمين الفلاحة العائلية من أجل أن تكون فلاحة مستدامة وضمانا حقيقيا للأمن الغذائي، مشيرا إلى أن الاستثمارات الكبيرة في الفلاحة ضروريةو لكن لا يمكن التعويل عليها بمفردها، فأصحاب هذه الاستثمارات يبحثون عن الربح وبالإمكان أن يغيروا من نشاطهم الفلاحي أو أن يتخلّوا عنه، في حين أن الفلاحة العائلية يبقى فيها الفلاّح متمسكا بأرضه، بغض النظر عن حجم الإنتاج أو الربح للموسم الفلاحي.
ويضيف رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة، أن هذا ما يبرز الدور الحقيقي وأهمية الفلاحة العائلية في استقرار الأسواق وتحقيق الأمن الغذائي، وهو ما تدعمه منظمة الأمم المتحدّة للأغذية والزراعة “فاو” بعديد البرامج والخطط من أجل استقرار الساكنة بالأرياف.
برامج النهوض بمناطق الظل ساهم في دعم الفلاحة العائلية
ويذكر أحمد يزيد حمبلي، أن العديد من المنتجات الغذائية بالجزائر مصدرها الوحيد الفلاحة العائلية، خاصة بعض الفواكه الموسمية مثل “التين، التين الشوكي..” وأنواع أخرى من الخضروات التي لا توفرها سوى العائلة الفلاحية وبعض المناطق بأرياف الجزائر، وتضمن تمويل الأسواق المحليّة.
وأشاد رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة، ببرامج الدعم التي أمر بها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون لفائدة مناطق الظل، والتي بلغ صداها إلى أبعد من التنمية الريفية، خاصة برنامج تعميم الكهرباء الريفية وتعبيد الطرق وغاز المدينة الذي بلغ أرياف الجزائر في قمم الجبال، وهو ما ساهم في تثبيت الساكنة بهذه المناطق والعودة إلى نظام حياتهم الفلاحي، الذي يعتمد على الإنتاج واستهلاك ما تنتجه أراضيهم.
ويرى رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة أحمد يزيد حمبلي، أن اهتمام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون بالمرأة الريفية نابع من قناعاته، أنّ عماد الأسرة الفلاحية هي المرأة التي بدورها أبانت عن قدراتها في مقارعة الرجال في الميدان الفلاحي، حيث أصبحت تعمل جنبا إلى جنب مع الفلاح، ولنا في هذا أمثلة عديدة، يقول حمبلي.
ويضيف محدثنا، أن المرأة الريفية هي صمام أمان الفلاحة العائلية ودورها يبرز أكثر في أعمال الفلاحة المنزلية، من توفير للحليب وصناعة الأجبان وتجفيف الفواكه والخضروات. وذكّر حمبلي ببرامج تنمية أعدّت خصيصا للمرأة الريفية بالجزائر، كما أن الحكومة لا تفوت فرصة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة الريفية المصادف لـ15 أكتوبر من كل سنة، أين تُبرز الدور المحوري الذي يلعبنه في نجاح المشاريع الفلاحية المصغرة، خاصة وأن الجزائر تحصي أزيد من 60 ألف فلاّحة تحوز على البطاقة المهنية.
ويشير حمبلي، أن هناك عدة دورات تكوينية لفائدة المرأة الريفية، كما أن الدولة سهرت على توفير برامج دعم لهنّ بالوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية، وكل هذا من أجل تحقيق عدة أهداف، من أهمّها الأمن الغذائي عن طريق الفلاحة الأسرية، مشيرا إلى أن تربية الأبقار التي تعرف وتيرة متسارعة هي المشاريع الكبرى، إلاّ أن المشاريع الصغيرة لهذا الصنف من التربية الحيوانية يرتكز على الفلاحة العائلية بنسبة تفوق 80٪.
بنك البذور تقليد متوارث لدى العائلات الفلاحية
ويؤكد رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة، أن منتجات الفلاحة العائلية تشكل فرصة لولوج الأسواق العالمية، من خلال جودتها وبعض الأصناف النادرة، وهو ما استدعى تثمينه ببرنامج أعدته الدولة الجزائرية لمرافقة المنتجين المحلييّن كوسم المنتجات البيولوجية ومنح علامات الجودة، مشيرا إلى أن الفلاحة العائلية تلعب دورا كبيرا في توريث جينات البذور والسلالات الحيوانية.
ويضيف حمبلي، أن الدولة وبحكم توجهها نحو إنشاء بنك البذور، لم تهمل الدور الأساسي للفلاحة العائلية في هذا التحدّي، والذي أعلنت فيه الحكومة عن الشروع في تشييد صوامع تخزين البذور خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير.
ويرى رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة أحمد يزيد حمبلي، أن بنك الجينات سيترسخ لدى الفلاحين الجزائريين كفكرة أو نظام عمل، خاصة وأنه تقليد متوراث قبل شروع الحكومة في تشييد صوامع تخزين البذور، فتوارث العائلات الفلاحية لبذور وسلالات حيوانية عن الأجداد والحفاظ عليها يعتبر من أكبر مظاهر بنك الجينات الراسخة في التقاليد الفلاحية بالجزائر.
في السياق، يوضح حمبلي أن للفلاحة العائلية دور كبير تثمنه الحكومة في الحفاظ على الموروث اللاماّدي، من خلال محافظة الأسر الريفية على العديد من طرق تحضير أنواع من المنتجات الفلاحية، وطرق الحفاظ على جودة بعض الأغذية دون استعمال الوسائل التكنولوجية المستهلكة للطاقة اليوم، وهو ما يؤهل الفلاحة العائلية لتبوإ مكانة استراتيجية في معادلة الأمن الغذائي.
من جانب آخر، يؤكدّ رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة، أن الدولة خصصت برامج كبيرة لدعم النشاطات الفلاحية الصغيرة أو الفلاحة العائلية، خاصة في صنف التربية الحيوانية، بالإضافة إلى العمل الكبير الذي تسهر عليه فيما يخص تكوين المرأة الريفية في ميدان استخلاص الزيوت النباتية بالمناطق الجبلية، مشيرا إلى التعاونية التي أنشئت في كل من عنابة والطارف للمرأة الريفية في استخلاص الزيوت النباتية، واستفادتهن من عدة دورات تكوينية مع شركاء ألمان لتطوير التقنيات المستعملة في هذا المجال.
ويضيف محدثنا، أن هناك عدة مجالات تتلقى فيها المرأة الريفية تكوينا متواصلا، كمجال صناعة الأجبان أو صناعة الصابون التقليدي وغيرها من النشاطات التي تعتمد على الفلاحة في توفير المواد الأولية.