أكد الخبير الاقتصادي البروفيسور رمضاني لعلا، تركيز رئيس الجمهورية خلال لقائه الدوري الأخير بوسائل الإعلام الوطنية، على محورين أساسيين لا يمكن تنمية أحدهما بمعزل عن الآخر، متمثلين في الشق الاقتصادي والشق الاجتماعي للسياسة التنموية وسلسلة الإصلاحات المتبناة من طرف رئيس الجمهورية، التي تضمنتها صراحة التزاماته الـ 54، وتم لحد الآن تجسيد 75% – حسب تصريح رئيس الجمهورية – منها، كان للسكن الحظ الأوفر من المشاريع والحصص المالية.
أكد البروفيسور رمضاني استمرارية المشاريع السكنية بجميع صيغها، الاجتماعي، البيع بالإيجار، الترقوي التساهمي العمومي، والبناء الريفي الذي أثبت هو الآخر نجاعته في التخفيف من أزمة السكن التي ترافق النمو الديموغرافي بالبلاد. مؤكدا أن المشاريع السكنية ستبقى من أولويات الدولة الجزائرية وركيزة لعقيدتها الاجتماعية.
واعتبر لعلا ملف السكن من الملفات التي تحظى بأولويات الحكومة، نظرا لزيادة الطلب على السكن، مما جعله من أهم الملفات المستمرة التي عرفت الكثير من التعديلات، واصفا إياها بثورة صامتة، تأهبت الدولة الجزائرية لخوضها، من خلال تخصيص حصص مالية ضخمة لفائدة جميع الصيغ السكنية والاستعانة بالشركاء الأجانب لتسريع وتيرة انجازها، على رأسهم الشريك الصيني، من أجل الوصول إلى القضاء أو على الأقل التخفيف من حدة أزمة السكن، باعتبار أن الجزائر تعرف نموا ديموغرافيا نشيطا.
والحديث عن هذا الأخير، تابع البروفيسور لعلا، يدفعنا إلى تناول الجانب الاجتماعي لملف السكن ببلادنا، الذي سيسمح بتحقيق الاستقرار الاجتماعي، خاصة وأن بعض الصيغ السكنية موجهة خصيصا لذوي الدخل الضعيف، كالبناء الريفي، فيما تم تخصيص صيغ أخرى منها الترقوي العمومي لميسوري الدخل.
السكن.. فك الأزمة وتحريك العجلة الإنتاجية
ويعتبر قطاع السكن قطاعا أفقيا، وقاطرة لباقي القطاعات الحيوية لتداخله الوثيق بها، يقول المتحدث، من خلال تدخلها المباشر أو غير المباشر في صناعة السكن، وتأثيره على النشاط الاقتصادي، على غرار المؤسسات المقاولاتية، والمؤسسات المنتجة لمواد البناء من اسمنت وحديد والألمنيوم والخشب، إلى جانب تفعيل حركة النقل، وكذا إنعاش السوق المالية الجزائرية نظرا للتدخل المباشر للبنوك في إنعاش الأسواق المالية.
في هذا الصدد، يقترح المتحدث إنشاء أسواق مالية كالبورصات والبنوك المختصة في العقارات لمرافقة الشركات العملاقة، الرائدة في مجال البناء. إضافة إلى الحركية التي تمدها المشاريع السكنية لعجلة الإنتاج الاقتصادية، مساهمة بذلك في الرفع من معدل النمو والتشجيع على الادخار، باعتبار أن الفئة الأكثر استفادة من القروض البنكية السكنية، هي فئة المدخرين، والزيادة في نسبة الاستثمارات التي تعرف نسب إدماج محلية عالية تصل أحيانا إلى 95%، وقد تم تحقيق ذلك من خلال جملة الإجراءات والنصوص التنظيمية التي سنتها الدولة الجزائرية كتلك التي تنص بعدم منع استيراد المنتجات المصنعة محليا، كما أشاد البروفيسور لعلا بتنصيب المجلس الأعلى للاستيراد والآمال المعلقة على الدور الذي سيلعبه في ضبط حركة الاستيراد وطبيعة المواد المستوردة ومدى الحاجة المحلية إليها.
واستدل المتحدث، في ذلك بتعليمات رئيس الجمهورية التي تقرّ بإلزامية استعمال المواد المصنعة محليا في عملية صناعة السكن، حيث لاقى هذا الإجراء استحسان المنظمات والهيئات الاقتصادية وجموع الفاعلين الاقتصاديين من أرباب عمل ومصنعين لمواد البناء كالاسمنت، الخشب، السيراميك، الألمنيوم وغيرها. كما تطرق الخبير الاقتصادي إلى فرص العمل التي مكنت من توفيرها لشركات المناولة التي تحصل الشباب على حصص مهمة منها في إطار المؤسسات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، من خلال مشاركتهم في مجالات مختلفة من تصنيع وإنتاج، للواحق السكنات من أبواب ونوافذ وغيرها.
التنمية المحلية من خلال إعمار المناطق الريفية
واعتبر البروفيسور لعلا، أن اهتمام رئيس الجمهورية بالسكن الريفي بشكل خاص، يحمل وراءه خلفيات اجتماعية واقتصادية، تدخل في إطار التنمية المحلية للمناطق الريفية، التي عرفت تدنيا في مستوى المعيشة وظروفا قاهرة على مر سنوات طويلة من عمر الأزمات السياسية والاقتصادية. حيث سيسمح تشجيع صيغ السكن الريفي، وتثبيت سكان الأرياف وتوطيد ارتباطهم بالنشاط الفلاحي، مما سيسمح بكبح النزوح إلى المدن الكبرى، مما يزيد من شدة الضغط على مختلف هياكلها، بسبب التجمع الكثيف للساكنة على مستوى هذه المدن. والقضاء على مناطق الظل، بإطلاق عدة مشاريع على مستوى المناطق النائية كالمجمعات السكنية الكبرى وما يرافقها من مؤسسات تعليمية واستشفائية. مما جعل النموذج الاقتصادي الريفي يثبت ايجابية نتائجه.
ولم تكن الدولة بغافلة عن أهم العراقيل التي يمكن أن تعترض المشروع السكني الضخم الذي باشرت به الجزائر، على رأسها مشكل التمويل، واحتواء لهذا المشكل وتجنبا للانسداد الذي قد يعرفه المشروع بسبب نقص التمويل، اتخذت الدولة الجزائرية جميع التدابير الإجرائية، كالإجراء الذي تضمن مؤخرا تحويل الصندوق الوطني للسكن إلى بنك للإسكان، مما سيوسع من صلاحياته وقدرته التمويلية. وكذا تنويع الصيغ التمويلية الخاصة بكل نوع سكني بما يتناسب والدخل الفردي للمواطن، في حين خصصت إعانات مالية معتبرة للمستفيدين من صيغة السكن الريفي، باعتبار أن ساكنة الأرياف فئة معوزة.
نوعية السكنات ونسبة الإدماج.. محاور ضمن دفتر الشروط
من جهة أخرى، شدد رئيس الجمهورية – حسب ذات المتحدث- على ضرورة الاهتمام بنوعية السكنات وإعطائها صبغة تليق بها كواجهة للمدن الحضرية. إضافة إلى تأكيده على ضرورة إيجاد المناطق العقارية التي تطرح تحديا كبيرا فيما يخص توفير الأوعية العقارية لبناء السكنات. إضافة إلى ضرورة إنشاء مؤسسات قائمة على المشاريع بمؤهلات انجاز عالية، للتخلي تدريجيا عن الضرورة الملحة للبحث عن شراكات أجنبية لانجاز المشاريع السكنية الوطنية، وتمكين المقاول المحلي، من الأخذ بزمام المشاريع الوطنية، التي تعمل الدولة على أن تجعلها من إمضاء محلي بنسبة إدماج عالية، خاصة وأن الجزائر تمتلك من الكفاءات والشباب المستعد للنشاط في مجال المناولة، مما يجعلنا نتفاءل بنجاح المشروع السكني بالجزائر والوصول إلى صناعة سكنية جزائرية 100 %.