الجامعة التي انتجت نخبا شاركت الفلاحين بهجة الثورة الزراعية، التي تجاور فيها الجامعي مع الأميّ، والفتاة المتعلمة مع الأم والجدة التي تطهو خبزها بحطب التدفئة، لم تعد تلك الجامعة… الجامعة للمعارف والفئات الاجتماعية، على النحو الذي ظهرت به في زمن الراحل هواري بومدين، الذي صبغها بلون التضامن، في وقت كانت فيه البلاد متعودة على هذه الخصلة في كل شيء: في الأفراح وفي الزرع والحصاد، أو ما يسمى التويزة.
الجامعة اليوم غارقة في كمّ هائل من التخصصات التي أنتجت بمعارفها المدرسة، من قياس «تكوين التخلف» إلى «النانوتيكنولوجي»، أجيالا من المتخرجين، الذين قد لا يشتغلون بما تعلموه، مثلما حصل لسابقيهم، لأسباب موضوعية، أهمها انحسار سوق الشغل ومحدودية فرص التوظيف لأصحاب الشهادات، ولغيرهم من الذين يصطفون في طابور حُلم: حارس من فضلكم!
متطلبات الحياة الحديثة والتحديات التنموية والطاقوية المطروحة على بلاد، صُنفت في وقت مضى بخانة «في طريق النمو»، تفرضُ إعادة النظر في دور الجامعي في المنظومة الاجتماعية، قبل الحديث عن إصلاح الجامعة وإدخال تعديلات على مقاييس التدريس وضبطها مع احتياجات المجتمع وإحداثيات التطورات الحاصلة، وهو ما اقترحه وزراء، ويجري تنفيذه على مراحل.
هذا الجامعي، المعزول أو المنعزل عن ما يدور حوله، جامعي يقل تمثيله بنسب كبيرة في المجالس المحلية المنتخبة، فضلا عن الجمعيات المحلية، التي لها دور كبير في الرقابة والتنمية وشؤون الحياة، عموما، وفيها غياب ظاهر للعنصر المتعلم والحاصل على درجات عليا في الدراسة. لماذا كل هذا الغياب، بعد 50 سنة من أول محاولة «ذوبان» للجامعة في لغاليغ الريف، أيام الثورة الزراعية، التي تفاعل فيها الجامعي والفلاح بطريقة، يندر تكرارها.
قد يطول البحث عن أسباب غياب التفاعل بين الجامعة والواقع الجزائري، ولكن الأمل في تغيير المعادلة لصالح «رابح-رابح» ممكن، مع بروز حالات تعاون مثمرة بين الجامعات وحاضنات المشاريع، ولمَ لا تعاون بين التكوين المهني المتخصص ومهن أخرى؟، على اعتبار أن اليد العاملة المتخصصة هي أحد مفاتيح التنمية في البلدان التي تركز عليها في تفعيل الخامات الوطنية، تحسبا لـ»صنع في الجزائر»، فعلا لا ترويجا عابرا…
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.