الجزائر من الدول التي تواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على ثرواتها الغابية، خاصة صيفا مع ارتفاعً محسوس في درجات الحرارة، حيث تعد حرائق الغابات من أبرز التحديات البيئية التي تواجه البلاد، ما يهدّد التنوع البيولوجي، الاقتصاد المحلي، والأمن البيئي.
في حوار خاص لـ “الشعب أونلاين” مع رئيس مكتب الوقاية ومكافحة الحرائق بالمديرية العامة للغابات، رشيد بن عبد الله، نستعرض الواقع الحالي للحالة الغابية، أبرز التحديات التي تواجهها البلاد في مكافحة الحرائق، والإنجازات التي تحققت في هذا المجال، إلى جانب استراتيجيات الدولة الحديثة وأدواتها التقنية المتطورة للحد من هذه الكارثة البيئية التي تهدد مستقبل الغابات الجزائرية.
“الشعب أونلاين”: أولا، ما تقييمكم للحالة الغابية حاليا؟
رشيد بن عبد الله: تُقدَّر المساحة الإجمالية للغابات في الجزائر بـ4 ملايين و100 ألف هكتار، منها مليون و440 ألف هكتار غابات، و2 مليون و413 ألف هكتار أدغال وأحراش تُعد بصفة عامة نسبة منخفضة عالميًا.
على المستوى الوطني، تمثل الغابات 5 % فقط من مساحة البلاد، بينما تصل النسبة في الشريط الساحلي 11%، في حين أن النسبة الموصى بها عالميًا هي 25%، وبناءً على هذه المعطيات، تعتبر الحالة الغابية في الجزائر ضعيفة.
ماذا عن حرائق الغابات..؟
العام الماضي، أمرت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية بإجراء أعمال استباقية لجميع المتعاملين الذين يستخدمون الفضاء الغابي، مثل مؤسسات سونلغاز واتصالات الجزائر، للقيام بأعمال وقائية قبل الأول من ماي.
تضمنت هذه الأعمال حملات تنظيف وقائية لتفادي أي شرارة قد تتسبب في حرائق، ولتجنب وقوعها قرب المكاتب أو المؤسسات.
بالحديث عن حرائق الغابات، كان العام الماضي الأفضل منذ 1962 حتى 2025 من حيث تراجع حرائق الغابات. حيث تم تسجيل 2490 هكتارًا من المساحة المتأثرة بالحرائق و740 بؤرة حريق، ما يشير إلى انخفاض في المساحة بنسبة تقارب 91% مقارنة بالمعدل السنوي المسجل خلال السنوات العشر الأخيرة، والذي يُقدر بحوالي 40,000 هكتار، وانخفض عدد البؤر بنسبة 73%، حيث كان المعدل السنوي للبؤر يقارب 2800 بؤرة.
تحقق هذا المكسب من خلال العمل التشاركي، وهو نهج سنواصل العمل به هذه السنة، فالتدابير الاستباقية التي أصدرتها وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، ضمن استراتيجية تعتمد طابعا تشاركيا بين مؤسسات الدولة، المجتمع المدني، والسكان القاطنين داخل الفضاء الغابي أو بجواره، كانت فعّالة في الحد من حرائق الغابات. الدولة وفّرت كل الإمكانيات اللازمة، بما في ذلك الوسائل الجوية المتطورة، لضمان تنفيذ هذه الإستراتيجية بنجاح.
تحدثتم عن استخدام الطائرات في مكافحة حرائق الغابات، هل من تفاصيل وتوضيحات؟
ساهمت الطائرات بشكل كبير في مكافحة حرائق الغابات خلال الموسم الماضي، حيث وفرت الدولة 12 طائرة قاذفة للمياه سعة 3000 لتر لكل منها، منها 6 طائرات مملوكة للجزائر و6 مستأجرة. ولتعزيز القدرات، تم استخدام طائرة كبيرة من نوع BE‑200 تابعة لوزارة الدفاع الوطني بسعة 12,000 لتر، إضافة إلى المروحيات التابعة للجيش الوطني الشعبي والحماية المدنية، حيث أُضيفت 6 مروحيات للحماية المدنية.
وشاركت الحماية المدنية بكل إمكانياتها في إخماد الحرائق من الشريط الرئيسي، وشاركت إدارة الغابات بوسائلها، وتولّى الدرك الوطني والجيش الوطني الشعبي مهامه ضمن جهود الدعم. هذه المساهمة المشتركة لكل الأطراف أسهمت في تعزيز استجابة الدولة لمخاطر حرائق الغابات بفعالية كبيرة.
ما هي الإستراتيجية التي تعتمدها المديرية لمكافحة هذه الحرائق؟
تعتمد وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري إستراتيجية تشاركية ذات أولوية واضحة للوقاية، حيث تشارك كل مؤسسة تستغل فضاءات في الغابة في الأعمال الوقائية بالتنسيق مع المجتمع المدني والسكان المقيمين داخل الغابات أو قربها. ويتعاون السكان معنا خلال فصل الصيف، ويُشرك الأطفال في مشاريع خاصة تستهدف تحقيق مبدأ «رابح–رابح»: نحن رابحون لأن الغابة تبقى، وهم رابحون لأنهم يضمنون مصدر رزق مستداماً للأطفال ولأسرهم، لاسيما الذين يعتمدون على موارد الغابة في معيشتهم.
تكرار الحرائق يستدعي خريطة للمناطق الغابية الأكثر عرضة للخطر.. ما الذي أنجز حتى الآن؟
كل ولاية في الجزائر تعتمد مخططًا خاصًا لمكافحة حرائق الغابات والوقاية منها، يُنجز قبل الأول من ماي من كل عام، يشمل هذا المخطط جميع الوسائل البشرية والمادية المتاحة، بما في ذلك فرق التدخل، شاحنات الإطفاء، وخرائط غابية تُحدد المناطق الأكثر عرضة للحرائق.
تُظهر هذه الخرائط أصناف الأشجار سريعة الاشتعال، المناطق التي تكررت فيها الحرائق، والمناطق التي يُسمح بدخولها من قبل المواطنين والسياح، حيث تُعتبر هذه المناطق خطرة وتستدعي مراقبة مستمرة على مدار الساعة.
وزعنا 1200 خيمة هذا الموسم لتسهيل تدخل أعوان الغابات في المناطق المعنية، ما يعزز القدرة على التدخل الأولي عند اندلاع الحرائق. وتم وضع أبراج مراقبة ودوريات متجولة داخل الغابات.
وتجدر الإشارة إلى توفر 2800 نقطة مياه موزعة عبر مجموع الأقاليم، إلى جانب فتح مسالك جديدة وحفر خنادق احترازية وممرات إطفاء، تفصل بين أجزاء الغابات الكبيرة لتوقيف انتشار النيران بسرعة.
هل تملك المديرية الوسائل المادية والبشرية لمواجهة هذه الكوارث ؟
تتمثل مهمات المديرية العامة للغابات الحراسة، التبليغ، والتدخلات الأولية، ولعل الموارد لم تصل بعد إلى درجة الاكتفاء الكامل، لكنها تتحسن سنويًا. ففي الموسم الحالي، أُدخلت 35 طائرة دون طيار (درون)، بعد تزويد المديرية بـ 20 طائرة جديدة أضيفت إلى 15 طائرة كانت موجودة سابقًا. تُوظف هذه الدرونات في الرصد المبكر، الإنذار، والاستطلاع أثناء الحريق وبعده، مما يسهم في ردع البعض عن إشعال الحرائق بسبب وجود المراقبة الجوية .
تم تكوين حوالي 90 إطارًا لاستخدام الدرونات ضمن مشاريع تجريبية بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي، وشملت التجارب استعمال جهاز ليدار في ولاية المدية لاكتشاف الحرائق على بعد يصل إلى 20 كلم .
إضافة إلى ذلك، لدينا تجربة مع مؤسسة ناششة لنظام إنذار مبكّر عبر الرسائل النصية (SMS) تعمل حاليًا في ولاية تيزي وزو، مع خطة لتعميمها مستقبلاً وستتدعم المديرية بسيارات 4×4 بسعة 1000 لتر للتدخل في المناطق الوعرة، حيث زيد عددها هذا العام بـ 86 سيارة جديدة ليصل المجموع إلى 450 مركبة، تخدم حوالي 5,683 عامل غابات، بدعم من 706 ورش ميدانية تضم نحو 6,000 عامل ميداني، و3,245 عاملًا موسميًا أصبحوا يعملون طوال السنة، إضافة إلى 493 برج مراقبة في مواقع مرتفعة لمراقبة الفضاءات الغابية وإطلاق الإنذارات فورًا.
هل لنا معرفة المناطق أو الولايات التي تستخدم الدرون بشكل منظم؟
في موسم 2025، تم تعزيز استخدام الدرونات في الولايات الأكثر تعرضًا لحرائق الغابات، حيث تم توزيعها على 20 ولاية حتى الآن، منها تيزي وزو، بجاية، سكيكدة، عنابة، والبليدة وهناك خطة لتعميم هذا النظام، بحيث تزوَّد كل ولاية بعدد ثلاثة طائرات درون لمراقبة مستمرة ورصد مبكر.
هذه الخطوة تأتي ضمن استراتيجية فعالة لمراقبة المناطق الحساسة والوعرة، تمهيدًا لتعزيز قدرة المديرية على التدخل السريع والوقاية من انتشار الحرائق، ما يعزز من حماية الثروة الغابية عبر رصد وتبليغ فعال في الوقت المناسب.
ما استخدامات “الدرون” الأخرى، في يومياتكم؟
تم توظيف الدرونات في مهام متنوعة داخل الغابات، تشمل الحراسة والإنذار المبكّر لرصد الحرائق، كما تم استخدامها في الجنوب لمتابعة تنقل الجراد، ضمن جهود لمكافحة الآفات. كما استُخدمت في مراقبة صحة الغطاء النباتي والأشجار والكشف عن الطفيليات والأمراض، وتنفيذ عمليات رش المناطق المتضررة.
وأُضيفت تجربة للكشف عن مرض ذبول الأشجار (“لاشين بروفيسيسيو سيني ديبي”) باستخدام الدرونات، عبر تحديد المناطق المصابة تمهيدًا لرشها ومعالجتها.
منذ أكثر من ثلاث سنوات، شكّلت المديرية فرقة أمنية ميدانية مشتركة تضمُّ إطارات إدارة الغابات والحماية المدنية والدرك الوطني، خضّعت لتكوين خاص من أجل التحقيق في حرائق الغابات المفتعلة.
وعند وقوع حريق كبير يمس مساحات شاسعة، تتدخل هذه الفرق ميدانيًا فورًا لإجراء التحقيقات اللازمة وقد ساهم استخدام الدرونات بشكل ملحوظ في كشف الجناة والمشتبه فيهم الذين يتعمدون إشعال النار داخل الغابات.
أين وصلت السلطات المحلية والولائية في دعم جهود المديرية؟
بشكل عام، يمكن القول إن السلطات المحلية والولائية تمثل ركائز أساسية في تنفيذ خطة المديرية العامة للغابات، من قرارات منع ومراقبة وتشجير وتوعية، ما أسهم في تحقيق نتائج مشجعة كوقف الحرائق عمليًا في عدة ولايات وتقليل الأضرار، عبر تكامل الجهود بين البلديات، المجتمع المدني، والأجهزة الأمنية.
من 1 ماي إلى 31 أكتوبر، أصدرت السلطات الولائية قرارات صارمة تهدف إلى الوقاية من حرائق الغابات، حيث تم منع دخول الغابات وإشعال النيران أو إقامة مواقد الشواء على مسافة 500 متر منها. هذه التدابير تأتي في إطار إستراتيجية وقائية تهدف إلى حماية الثروة الغابية والحد من المخاطر المرتبطة بالحرائق.
على الرغم من التحديات المالية التي تواجه بعض البلديات، لكن الجماعات المحلية لعبت دورًا كبيرًا في دعم جهود مكافحة الحرائق. فقد قدمت الدعم اللوجستي من خلال توفير شاحنات المياه والمشاركة الفعالة في عمليات الوقاية والإطفاء، ما يعكس التزامها بالمساهمة في حماية البيئة والمجتمع.
ما مدى تطبيق تعليمات الولاة بشأن حظر إشعال النيران أثناء التخييم ومجالس الشواء وكيف يتم التعامل مع هؤلاء؟
تُطبَّق التعليمات فور صدور قرارات الولاة، وقد نُفّذت العام الماضي بنسبة امتثال تقارب 100 ٪، ويواجه المخالفون ذلك بعقوبات واضحة ضمن القانون 23‑21 الصادر في أواخر 2023؛ فإذا دخل شخص إلى الغابة أو أشعل النار فيها أو في محيطها، فقد يُحكم عليه بالسجن من شهرين وما يصل إلى المؤبد، ويُغرّم من 50 ملايين سنتيم و150 مليون سنتيم، هذا القانون الجديد الصارم أظهر فعاليته في الحد من حرائق الغابات، لذا نُناشد المواطنين بعدم المجازفة، لأن الغرامات الضخمة .