يشهد قطاع النسيج والجلود في الجزائر حركية لافتة، مدعومة بإرادة سياسية واضحة، في إطار سياسة الدولة الرامية لإعادة بعث الصناعات المحلية وتنويع الاقتصاد الوطني، من خلال تأهيل وإعادة بعث الصناعة الوطنية، وقطاع النسيج والجلود لم يكن استثناء، فقد أدرج ضمن أولويات السياسة الصناعية، باعتباره أحد المحركات القادرة على خلق الثروة ومناصب الشغل، وترشيد الواردات وجعله قيمة مضافة لاقتصاد الوطن الذي يشهد نهضة غير مسبوقة، تنتقل بالاقتصاد الوطني من الريع إلى الإنتاج.
ثمّن رئيس المنظمة الجزائرية للتجارة والاستثمار الاجتماعي، جابر بن سديرة، لـ“الشعب”، جهود وزارة الصناعة من أجل النهوض بالصناعة الجلدية والنسيجية، حيث تم تشكيل لجنة وزارية تضم 12 قطاعا تعمل تحت إشراف وزارة الصناعة من أجل النهوض بهذه الشعبة الصناعية، مع تشكيل لجان ولائية يرأسها الولاة لضمان التنفيذ الفعلي ميدانيا في إطار إعداد إستراتيجية واضحة المعالم، تقوم على تنظيم الشعبة واستغلال المادة الأولية الخام محليا، لتلبية احتياجات المصانع، سواء كانت تابعة للقطاع الخاص أو العام، عملا على تغطية طلبات السوق من الملابس وكل ما يتعلق بالألبسة الجلدية.
وفي خطوة عملية لتأطير القطاع، تمّ مؤخرا تدشين مركز تكوين نموذجي مختص في الجلود والنسيج، ويعمل بنظام داخلي ويضم تجهيزات عصرية، في إطار شراكة مع وزارة التكوين المهني لسدّ العجز في اليد العاملة المؤهلة. حسب المتحدث.
اقتحام التّصدير
وفي إطار انفتاح الجزائر على السوق الإفريقية، سجلت المنتجات الجلدية الجزائرية أول حضور رسمي لها في معرض الإنتاج الجزائري بنواكشوط في موريتانيا نهاية شهر ماي المنصرم، حيث لقيت إقبالا لافتا من قبل المستهلك الموريتاني، بل إن كل المنتجات المعروضة بيعت في عين المكان، وهذا بمشاركة 22 مؤسسة، ما يؤكد – حسب بن سديرة – أن المنتج الجزائري قادر على المنافسة عالميا.
لكن – يقول محدثنا – لا تزال بعض العراقيل تعيق التصدير نحو الجارة موريتانيا التي تعتبر البوابة نحو دول إفريقية أخرى، وقد تم عقد اجتماع بين مجلس رجال الأعمال الجزائريين والموريتانيين لبحث آليات التخفيف من بعض القيود، لذلك ركز المسؤول ذاته على ضرورة الاهتمام بـ “المنتوج الوطني من خلال توفير المادة الأولية الملائمة لاحتياجات السوق الوطنية، ومن ثم التركيز على التسويق والتوجه نحو التصدير، والتخلص من فاتورة الاستيراد، وتوفير العملة الصعبة، خاصة وأن الجزائر لم تصل بعد إلى مرحلة تلبية احتياجات السوق بشكل كاف”.
جهود وطنية وتغطية واسعة
وضمن هذا السياق، وموازاة مع حلول عيد الأضحى المبارك، أكد رئيس المنظمة الجزائرية للتجارة والاستثمار الاجتماعي، على الأهمية الكبرى للحملة الوطنية لاسترجاع جلود الأضاحي، التي انطلقت هذا العام تحت شعار “نضحي، نسلخ ونملح..ونساهم بهيدورة تصلح”، في إطار رؤية اقتصادية بيئية شاملة تهدف إلى تعزيز الصناعات المحلية، حماية البيئة، ودعم الاقتصاد الوطني.
وأشار بن سديرة إلى أن الجلود المسترجعة السليمة، والتي تُهمل بعد ذبح الأضاحي تحولت بفضل هذه المبادرة، إلى مادة أولية ذات قيمة مضافة عالية، تساهم في ترقية شعبة النسيج والجلود، وتحد من فاتورة الاستيراد في هذا القطاع الحيوي، كما تشكل هذه الحملة فرصة سانحة لتعزيز سلسلة القيمة الصناعية، من المنتج إلى المصنع، ودعم الحرفيين المحليين.
وفي السياق ذاته، أبرز المسؤول أن الحملة تغطي 39 ولاية عبر التراب الوطني، ويجري تنفيذها بتعاون وثيق بين وزارة الصناعة، السلطات المحلية، وفعاليات المجتمع المدني، مشيرا إلى أنه تم تعليق لافتات توجيهية في أكثر من ألفي محل تجاري عبر 22 ولاية، بهدف توعية المواطنين وإرشادهم إلى أفضل الممارسات في التعامل مع جلود الأضاحي خلال السنة الماضية، وهو ما تمت مواصلته هذا العام بعدد أكبر نظير زيادة عدد الولايات المستهدفة خلال هذه الحملة.
جمع جلود الأضاحي..بكبسة زر
وتحدّث بن سديرة عن أبرز ما يميز حملة هذا العام، وهو الاستعانة بالتكنولوجيا عبر تطبيقين رقميين وضعتهما وزارة الصناعة خصيصا لجمع جلود أضاحي العيد، وهما تطبيق “مريغل هيدورة”يوجه المواطن إلى أقرب نقطة تجميع عبر خريطة تفاعلية، وتطبيق “مستفيد” الذي يتيح التبرع بجلد الأضحية من المنزل، مع إرسال عون جمع مباشر، وهذا بكبسة زر واحدة يساهم المواطن في هذه الحملة التي تستهدف ترقية هذه الشعبة الصناعية الهامة.
واعتبر المتحدث أنّ هذه الأدوات الرقمية تمثل نقلة نوعية في تسهيل عملية الاسترجاع وتحقيق شمولية الحملة، خاصة مع استهداف أكثر من 22 مليون جزائري من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، بمشاركة مؤثرين وصفحات مليونية روجت للحملة الالكترونية الخاصة بجمع الجلود.
توقّعات ببلوغ 50 بالمائة
وعن الأبعاد اقتصادية والاجتماعية لهذه الحملة التي تتكرر كل سنة، مع مراعاة إدخال تحسينات عليها كل عام، لفت بن سديرة إلى أن الجلود المسترجعة تباع بأسعار رمزية للحرفيين عبر مؤسسات عمومية مثل “جيتكس”، مما يسهم في تطوير الصناعات الحرفية وخلق مناصب شغل جديدة.
وبالمقارنة مع السنوات السابقة، أفاد المتحدث أن نسبة استرجاع الجلود ارتفعت من 16 بالمائة عام 2022 إلى 29 بالمائة في 2023، ويُرتقب أن تتجاوز 50 بالمائة هذا العام، مع عودة السوق المحلية التي تشهد عودة قوية للأضاحي، حيث يُتوقع ذبح حوالي أربعة ملايين رأس غنم بعد مشروع استيراد مليون أضحية لتلبية الطلب بقرار صادر عن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الذي يضع المواطن وتلبية حاجياته فوق كل اعتبار.
من الجانب البيئي، أكد بن سديرة أن ترك هذه الكميات الكبيرة من الجلود دون استرجاع، يؤدي إلى تلوث بيئي خطير عبر انتشار الروائح الكريهة وظهور الأمراض؛ لهذا، تعمل المنظمة مع وزارة الصناعة لتوجيه الجلود إلى المدابغ بدل مراكز الردم التقني، بمرافقة وزارة الاتصال من خلال ومضات إعلامية توعوية عبر مختلف الوسائط.
تقليص فاتورة الاستيراد
ولأن التوجه نحو التصنيع لتقليص فاتورة الاستيراد هو أحد الركائز الأساسية التي يقوم عليها اقتصادنا اليوم، أشار بن سديرة إلى ضرورة معالجة النقائص الموجودة في القطاع من أجل إحياء صناعة حديثة ومتطورة، من خلال تنظيم شعبة النسيج والجلود.
في هذا الإطار، تحدث بن سديرة عن مجموعة من التوصيات الهامة التي رفعت إلى السلطات المعنية، وتهدف إلى إعادة بعث شعبة الجلود والأحذية في الجزائر، وتنظيمها، وجعلها رافعة اقتصادية حقيقية ضمن الاقتصاد الوطني، حيث تشمل جوانب التكوين، التنظيم، الجباية، الاستيراد، الحماية التجارية، والشراكة، مشيرا إلى أن هذه المقترحات جاءت نتيجة مشاورات موسعة مع مختلف الفاعلين في القطاع، من منتجين، حرفيين، ومتعاملين اقتصاديين.
مناطق صناعية بولايات النّشاط
وأكّد بن سديرة على أهمية استحداث تخصص في المعاهد لتكوين مصممي الجلود، بما يشمل مجالات الملابس، الأحذية، الحقائب، والسروج، معتبرا أن التكوين النوعي حجر الأساس لأي إقلاع صناعي حقيقي، وهو ما تم الاستجابة له من قبل السلطات وتمت معالجته مع قطاع التكوين المهني، حيث استجاب الوزير بمنحنا حرية اختيار مركز تكوين من بين خمسة عشرة مركزا في اختصاص النسيج والجلود وتم تجهيزه في ظرف قياسي.
وشدد بن سديرة على أهمية تخصيص مناطق صناعية للشعبة، داعيا إلى تنظيم النشاط الموازي واحتوائه عبر تخصيص مناطق صناعية أو منح الأولوية في الشعبة لفائدة المنتجين والمناولين والموردين للمواد الأولية ومدخلات الإنتاج، وهذا بالولايات التي تعرف تمركزا كبيرا للمتعاملين (ما بين 100 إلى 500 متعامل)، على غرار تلمسان، العاصمة، المدية، وهران، سطيف، باتنة، برج بوعريريج، البليدة، وتيزي وزو، برج بوعريريج، شفة، أولاد يعيش، بني تامو، ذراع بن خدة، ميرابو، بومرداس وبني عمران، مؤكدًا أن إدماج هذا النشاط سيمكن من ترقية الحرفة وتحقيق الانتقال نحو الإنتاج المنظم.
شراكات دولية ومرافقة للمنتجين
وأشار بن سديرة إلى أنه وبعد التأكد من جاهزية الورشات وقدرتها على الإنتاج بالنوعية والكمية الكافية ووفق المعايير الدولية، تم الكشف عن مقترح بإشراف وزارتي التجارة والصناعة على جلسات تفاوض مع مستوردي الماركات العالمية، بغرض إنتاجها محليا والتصدير، والوقوف على متابعة مراحل الإنتاج والتسليم.
كما تطرق إلى استحداث مركزية وطنية لاستيراد المواد الأولية بمشاركة المؤسسات العمومية، بهدف تمكين الحرفيين والورشات الصغيرة المتوسطة من الحصول عليها بأسعار معقولة، إلى جانب إعادة فتح سوق الحراش للجلود والأحذية، واستحداث أسواق جملة متخصصة لتسهيل تسويق المنتوج المحلي.
وفي الجانب الاجتماعي، تم التطرق إلى ابتكار صيغة لتأمين العمال بأجر محسوب بالقطعة، تفعيل الشراكة مع المؤسسات العمومية في مجالات المناولة والتسويق، تفويض صلاحيات تنفيذية للجنة الوزارية المتخصصة التي أنشئت لهذا الغرض تحت إشراف وزارة الصناعة.