تعرف صناعة السيارات بالجزائر تحولًا جذريًا، مدعومة بإرادة سياسية قوّية وتشريعات تهدف إلى إرساء قاعدة صناعية حقيقية تتجاوز مفهوم “التركيب” البسيط.
لم تعد الجزائر تكتفي باستيراد مجموعات الأجزاء الجاهزة، بل تسعى اليوم إلى تحقيق “نسب إدماج عالية وتوطين التكنولوجيا”، مما يفتح آفاقًا واعدة للتنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل.وتعتبر الفترة الحالية حاسمة لقطاع صناعة السيارات، فقد باتت الرؤية واضحة نحو التحوّل من الاستيراد والتجميع إلى التصنيع الفعلي، وبتحقيق قفزة نوعية في هذا القطاع الحيوي، خاصّة في مادة “الإدماج”، فقد وقّع مجمع ستيلانتيس الجزائر، بحر الأسبوع المنصرم، على أربع رسائل نوايا جديدة للشراكة مع مزودين محليين لتوفير قطع الغيار ومكوّنات السيارات لمصنع فيات بطفراوي (وهران).
وتم توقيع اتفاقيات مهمة مع شركات صينية رائدة. فبالإضافة إلى مشروع “شيري” في برج بوعريريج، والذي من المتوقع أن يبدأ الإنتاج التجاري قريبًا، تم التوقيع على مذكرة تفاهم مع الشركة الصينية المصنعة لعلامة “جيتور” لدعم صناعة السيارات. كما أن هناك توقعات بدخول علامتي “جاك وجيلي” السوق الجزائرية بمشاريع تصنيعية واعدة، ما يؤكد التوجه نحو جلب استثمارات صناعية وليس مجرد وكلاء توزيع.
ملف: هيام لعيون وحياة كبياش وخالدة بن تركي
صناعة المركبات.. وعد يتجسّد وعلامات تتعدّد
”فيات”..”هيونداي”..”شيري”..”جيتور”..سيارة “مايد إن ألجيريا”
يعرف ملف صناعة السيارات ولواحقها في الجزائر تطوّرا لافتا، مدفوعا بإصلاحات تشريعية، وشراكات استراتيجية، واهتمام متزايد من المستثمرين الدوليين، بالولوج إلى السّوق الوطنية. وتمتلك الجزائر إمكانات تطوير صناعة سيارات قوّية بفضل موقعها الجغرافي وسوقها الكبيرة، وتسعى إلى دعم الصناعة المحلية لقطع الغيار، وفق رؤية إستراتيجية تنتهجها الدولة، تندرج في إطار خلق قاعدة صناعية صلبة.
حرصت الجزائر على تبني رؤية استراتيجية في ملف السيارات ولواحقها، من خلال انتهاج نموذج يجمع بين تشجيع الاستثمار الأجنبي في مجال التصنيع، وتحفيز الإنتاج المحلي لقطع الغيار، مع الإبقاء على الاستيراد دون قيود مشدّدة، ما يسمح بتوازن السوق، ويدعم مسار تطوير الصناعة للوصول إلى آفاق واعدة تلبي طلبات السوق المحلية وتسمح بتصدير الفائض إلى الأسواق الإفريقية والعالمية.وتجري الجزائر مفاوضات مع 13 شركة عالمية لتصنيع السيارات وقطع الغيار، بهدف إنشاء مصانع محلية وتغطية احتياجات السوق، من بين هذه الشركات، “هيونداي” التي أمضت على بروتوكول تفاهم مع وزارة الصناعة يقتضي مرافقة مصنعي قطع غيار السيارات منذ اليوم الأول، الى جانب شركة “قريت وال” الصينية، حيث أعلنت وزارة الصناعة في أفريل الماضي أن 13 شركة عالمية لصناعة السيارات دخلت في مفاوضات معها من أجل الاستثمار في تصنيع المركبات بالجزائر، موازاة مع ذلك أعلنت حاجة بلادنا لـ500 شركة مختصة في تصنيع قطع الغيار فيما يتواجد حاليا 120 مصنعا، وفق المصدر.
وخلال الأشهر الأولى من السنة الجارية، عرفت الجزائر إنزالا غير مسبوق لوفود أجنبية وشركات عالمية لتصنيع السيارات أبدت رغبتها في الاستثمار في الجزائر في مجال تصنيع السيارات، حيث قامت الشركات بالتفاوض مع مسؤولين جزائريين، وأبدت رغبتها الشديدة للاستثمار في بلادنا، كان آخرها استقبال وزير الصناعة سيفي غريب لوفد عماني تمت فيه مناقشة آليات بعث مشروع مصنع “هيونداي” لتصنيع المركبات في الجزائر في أقرب الآجال، بما يعكس الإرادة المشتركة لتجسيد الشراكة الصناعية الجزائرية-العُمانية على أرض الواقع.
فيما استقبل مسؤولو وزارة الصناعة، شركة “أستروويد” المالكة لعلامة “ENC” الأمريكية المتخصصة في صناعة الحافلات والشاحنات، والشركة الصينية “جريت وول موتورز”، والتي تعتبر واحدة من أكبر الشركات المصنعة للسيارات في الصين تحت عدّة علامات تجارية، منها “هافال”، و«تانك” و«باور”.كما حل وفد عن الشركة الأم لعلامة شيري الصينية، بالجزائر، وتحادث مع الوزير حول سبل إرساء صناعة حقيقية لمركبات علامة شيري في الجزائر.
خطوات عملاقة
وفي إطار تجسيد استراتيجية الدولة الهادفة إلى توطين مختلف الصناعات الاستراتيجية في البلاد، وسعيا لتحقيق الإدماج المحلي في صناعة المركبات شجعت المستثمرين على ولوج مجال تصنيع قطع غيار السيارات الذي يعرف انتعاشا حاليا، إذ يتم تصنيع البطاريات والمكابح والفلاتر والكوابل وحتى بعض أدّق المكوّنات. وفق تصريحات مستشار وزير الصناعة بلال لميطة شهر أفريل المنصرم.
وتعرف صناعة قطع غيار المركبات في الجزائر تطوّرات ملحوظة خلال عام 2025، في إطار استراتيجية وطنية تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، حيث تم اتخاذ خطوات كبيرة في هذا المجال على غرار، إطلاق شبكة وطنية لمنتجي قطع الغيار، إذ سارعت وزارة الصناعة إلى إنشاء شبكة وطنية تضمّ جميع المنتجين المحليين لقطع غيار المركبات شهر فيفري الماضي.
وتهدف هذه الشبكة إلى” تنظيم القطاع، ورفع نسب الإدماج الوطني، وضمان جودة المنتجات وتطوير هذه الصناعات، على أن يتم إحصاء كل المنتجين الوطنيين الذين يقومون بتصنيع قطع الغيار الموجهة للسيارات في إطار خارطة وطنية لنسيج مصنعي قطع الغيار لتنظيم هذه الشبكة في بعدين: “الجانب التقني المتعلق بالخصائص التقنية لقطع الغيار، والجانب التنظيمي والهيكلي لهذه الشبكة لضمان التنسيق والعمل في إطار جماعي”.
لجنتان لمتابعة وتأطير النشاط
في شهر مارس المنصرم، تم تنصيب لجنتين مكلفتين بمتابعة وتأطير نشاط تصنيع قطع غيار المركبات وتحقيق الإدماج في مجال تصنيع المركبات، وذلك في إطار إطلاق شبكة وطنية لقطع غيار المركبات، الأولى هي اللجنة التوجيهية، تُعنى بوضع الاستراتيجية العامة للنشاط وضمان التنسيق بين الفاعلين، ولجنة الدراسات والهندسة التي تركز على المعايير التقنية والجودة، وتقديم الدعم الفني والتكويني للمصنعين المحليين.كما سيتم إشراك هاتين اللجنتين في تحديد منهجية حساب نسبة الإدماج الوطني في صناعة قطع الغيار والمركبات، من خلال وضع معايير دقيقة وشفافة تأخذ بعين الاعتبار مساهمة كل مكوّن محلي في سلسلة الإنتاج.
شراكات أجنبية
وفي إطار خطة ترشيد الواردات وتقليل الاعتماد على الاستيراد، من خلال توفير قطع غيار ذات جودة عالية بأسعار تنافسية بغية تطوير قطاع تصنيع السيارات في الجزائر، تم توقيع اتفاقية بين الشركة الوطنية للأنابيب “أنابيب” وشركة “أوتو لوميار” الصينية، لإنشاء شركة مختلطة لصناعة قطع غيار السيارات، تشمل مصابيح السيارات والمصدات كمرحلة أولى، حيث تعكس سياسة الحكومة في دعم الشراكات الاستراتيجية التي تساهم في تحويل التكنولوجيا وتطوير المنتج الوطني الصناعي.ومنذ أيام قليلة فقط من الشهر الجاري، وقعّت الجزائر على اتفاقية شراكة من أجل إنشاء تجمع جزائري-إيطالي متخصّص في صناعة اللّواحق البلاستيكية للمركبات بولاية سطيف ووقّع على هذه الاتفاقية كل من مؤسسة “سيبلاست” التابعة للمجمع العمومي للبلاستيك والمطاط، ومجمع “سيجيت” الإيطالي المتخصّص في صناعة المكوّنات البلاستيكية والمطاطية الموجّهة لصناعة السيارات.
ويعكس هذا التوجّه تعزيز الإنتاج الوطني وتقليل التبعية للاستيراد المباشر، كما أن الانفتاح على الشركات الأجنبية يعكس سعي الجزائر لجذب التكنولوجيا الحديثة وتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني الخاص بقطاع صناعة السيارات وقطاع غيار المركبات التي تحظى بدعم الرئيس عبد المجيد تبون الذي يشجع صناعة قطاع الغيار محليا.وفي إطار إعداد خريطة إنتاج قطع غيار السيارات على المستوى الوطني، وبعد إطلاق التجمع الخاص بمنتجي قطاع غيار السيارات في الجزائر وإنشاء لجنتين خاصتين بالهندسة والقيادة لهذه الشعبة، فتحت وزارة الصناعة الباب أمام جميع المتعاملين الاقتصاديين الناشطين في هذا المجال، التسجيل من أجل القيام بعملية إحصاء لجميع المتعاملين الاقتصاديين الناشطين على مستوى هذه الشعبة، حيث أن المؤسسات التي سيتم إحصائها سوف تكون ضمن المؤسسات المكوّنة للشبكة الوطنية للمناولة في مجال تصنيع قطع الغيار.
إنشاء وحدات صناعية جديدة
في هذا الإطار، فقد تم تدشين وحدات صناعية جديدة، على غرار وحدة “SARL IAASAF لصناعة فرامل السيارات ببلدية أولاد موسى، في إطار تعزيز الإنتاج المحلي في مجال الميكانيك وقطع الغيار خلال شهر فيفري من السنة الجارية، في خطوة تعكس توجّه القطاع.
وبحسب المختصين، فإن تطوير صناعة قطع الغيار يؤدي إلى إنشاء شبكة صناعية متكاملة، مما يعزّز فرص العمل ويقلّل من فاتورة الاستيراد ويدّعم الاستقلالية الصناعية، كما يخفّف من الميزانية التجارية وميزانية المدفوعات بالعملة الصعبة، ويساعد الجزائر من مجرد مستورد أو مجمع للسيارات إلى دولة مصنعة لمكوّنات السيارات وهو ما يفتح آفاقا للتصدير، نحو أسواق أخرى خاصّة في إفريقيا.
طرطار: هذه مفاتيح توطين صناعة السيّارات..
تعزّزت المناولة في قطاع السيارات بمصنعين محليين جُدد لقطاع الغيار، بدخولهم مجال الإنتاج بعد التوقيع على اتفاقيات لتزويد مصنع “فيات” بوهران “، يعوّل عليه لتغطية أكثر من 30 بالمائة من محتوى المركبات التي ينتجها، وإنشاء أوّل نظام بيئي متكامل للسيارات في الجزائر.
يدخل إدماج المزودّين المحليين في صناعة المركبات، من خلال التزويد بقطاع الغيار والمكوّنات التي تدخل في التركيب ضمن استراتيجية وزارة الصناعة، نحو ترسيخ شراكات قوّية مستدامة بين المصنّعين المحليين وشركات تصنيع السيارات، بما يسمح ببناء قاعدة صناعية متكاملة.
وكان وزير الصناعة شهر فيفري الماضي، قد أعلن عن إطلاق شبكة وطنية لإنتاج قطع غيار المركبات والسيارات تضمّ كل المنتجين المحليين لهذه القطع بهدف تطوير هذه الصناعات ومرافقة صناعة المركبات في الجزائر عبر رفع نسب الإدماج الوطني.
ويمثل الإدماج المحلي أهمية كبيرة في صناعة السيارات، من شأنه المساهمة في تحقيق التنمية الصناعية والنهوض بالقطاع الصناعي للمركبات، حيث يعتبر الخبير في الاقتصاد الدكتور أحمد طرطار، أن توقيع مجمع ستيلانتيس الجزائر على 4 رسائل نوايا جديدة للشراكة مع مزودين محليين لتوفير قطع الغيار ومكوّنات السيارات لمصنع فيات بطفراوي (وهران)، يعكس تفاعلا ايجابيا بين متعاملين اقتصاديين مع هذا المصنع في سياق تحقيق صناعة متكاملة للسيارات في الجزائر.
ويمكن بعث صناعة متكاملة وتحقيق مناولة كاملة في عملية الإدماج المستهدفة من طرف الدولة، والتي من المقرر أن تتجاوز 40 في المائة، بحسب ما صرح الخبير طرطار لـ«الشعب” الذي يعتبره هدف ليس بعيد المنال، على أساس أن قطاع المناولة بدا يتشكل ويتعزّز.
كما يعتبر مثل هذه الشراكة “خطوة إيجابية، في سياق رسم نوايا إيجابية من طرف المزودّين المحليين، وطموحاتهم للوصول الى تكريس صناعة محلية متكاملة من قطع الغيار إلى التركيب فالصّيانة، خاصّة وأن المناولة أساس امتلاك قدرة الإنتاج وصيانة السيارات لبلوغ مصاف الدول التي تمكنت من تحقيق تجارب ناجعة وناجحة في هذا الإطار.
يؤدي الانعكاس الايجابي لهذه الشراكة – بحسب المتحدّث – إلى إطلاق عملية الإقلاع الاقتصادي، وفق منظور تعددي ونوعي، والذي من شأنه أن يشمل كل القطاعات، وكل مراحل ومكوّنات الإنتاج المختلفة للمنتجات بصدد الاستحداث، وعندئذ، وفي حالة إنجاح التجربة، وبعث صناعة سيارات متكاملة، يمكنها إعطاء دافعية للمنتجين المحليين لقطاع غيار السيارات وتشكيلاتها وتركيباتها.
يعتقد الخبير الاقتصادي طرطار أن صناعة قطع الغيار ومكوّنات السيارات محليا، سيكسب الناشطين في مجال المناولة خبرة، تسمح لهم بإنشاء مصانع مماثلة لمصنع “فيات”، وعندئذ تكتمل عملية تنويع الاقتصاد في سياق هذا الإقلاع المستهدف من قبل الدولة.
خبراء: خطوات واثقة نحو التأسيس لمفخرة صناعية
الحيدوسي: الديناميكية الصناعية ثمرة توجّه استراتيجي تيغرسي: التسويق للفرص الجزائرية بالمعارض.. ضرورة نباش: الالتزام بمتطلبات دفتر الشروط يعزّز فرص النجاح
تشهد صناعة السيارات في الجزائر خلال سنة 2025 حركية متزايدة، وسط تغييرات اقتصادية كبيرة، فقد بدأت الجزائر تخطو خطوات جدّية لبناء صناعة محلية حقيقية، من خلال توقيع اتفاقيات مهمة مع شركات عالمية، مثل اتفاق مع الشركة الصينية “جيتور” لإنشاء مصنع في ولاية باتنة، كما تجري وزارة الصناعة مفاوضات مع علامات معروفة مثل “هيونداي”، “جيلي”، و«فولكسفاغن” الهدف منها جلب التكنولوجيا الحديثة، وزيادة نسبة المكوّنات المحلية في السيارات، والتقليل من الاعتماد على الاستيراد.
تندرج هذه الجهود ضمن استراتيجية الدولة الرامية إلى تطوير قطاع صناعة السيارات، باعتباره جزءا أساسيا من خطتها لتنويع الاقتصاد الوطني، وتركز الدولة على جعل هذا القطاع محرّكا للنمو الاقتصادي ووسيلة لخلق فرص عمل جديدة، وقد عبّر وزير الصناعة عن هذا التوجّه، وأكد ضرورة توفير سيارات تتميّز بالجودة وتعرض بأسعار مناسبة، بما يلبي احتياجات المواطن ويدّعم السّوق المحلية.
مفاوضات مع 13شركة عالمية
تسعى الجزائر إلى تطوير صناعة سيارات محلية حقيقية من خلال التفاوض مع 13 شركة عالمية، من بينها “هيونداي” و«جيلي” و«فولكسفاغن”، لإنشاء مصانع في البلاد، وتركز هذه الجهود على نقل الخبرات والتكنولوجيا، وتدريب العمال، وزيادة نسبة المكوّنات المحلية في الإنتاج.
من جهته، قال وزير الصناعة سيفي غريب في آخر تصريح له إن ملف السيارات يتابع باهتمام كبير، لمدى أهميته بالنسبة للمواطنين، وأضاف أن مصالحه ستعمل على إدخال “الفرحة” إلى قلوب الجزائريين من خلال توفير سيارات بجودة عالية، وكميات كافية، وبأسعار مناسبة.
وأعلن الوزير عن عقد اجتماع بحر الأسبوع المنصرم، من أجل المصادقة على جدول نسب الإدماج في صناعة السيارات، ويهدف هذا اللقاء إلى تعزيز الإنتاج المحلي من خلال رفع نسبة المكوّنات المصنوعة داخل البلاد، مما يساعد على تقليل الاستيراد ودعم الصناعة الوطنية وتوفير فرص عمل جديدة.
وبخصوص الانتاج المحلي، يرتقب أن تصل قدرة إنتاج مصنع فيات في عام 2025 إلى 60 ألف مركبة، وهو نفس الهدف المسطر لسنة 2026، وفي هذا السياق، صرّح المدير الجهوي لشركة “ستيلانتيس لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا” بأن بلوغ هذا الهدف يتم في إطار الاستخدامات المحددة سالفا، وهو جزء من استراتيجية توسعة ودعم مستقبل المصنع.وفي السياق نفسه، يندرج هذا الهدف ضمن خطة لدعم الصناعة المحلية، حيث تعمل شركة “ستيلانتيس” على زيادة نسبة المكونات المصنوعة محليا، هذا سيساعد على توفير فرص عمل جديدة، وتدريب العمال على مهارات حديثة، كما سيساهم في تقليل الاستيراد وجعل البلد أكثر قدرة على المنافسة في مجال تصنيع السيارات.
خطوات متسارعة
بدوره الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي قال في تصريح لـ«الشعب”، إن الجزائر تشهد في الآونة الأخيرة خطوات متسارعة ومهمة في مجال التصنيع، لا سيما في قطاع صناعة السيارات، عبر إبرام شراكات استراتيجية مع كبريات الشركات العالمية مثل “فيات” وهونداي، فيما تشير المعطيات إلى وجود علامات تجارية أخرى قيد التفاوض.
وأضاف الخبير، أن هذه الديناميكية الجديدة لا تأتي في سياق عابر أو ظرفي، بل هي ثمرة توجه استراتيجي واضح ومدروس من طرف الحكومة، يهدف إلى إرساء أسس اقتصاد وطني قوّي ومتين، قائم على الإنتاج المحلي وتنمية القدرات الصناعية، ويأتي هذا التوجه في إطار سعي الدولة للتحرّر التدريجي من التبعية الاقتصادية.
هذا التوجه الصناعي، يأتي في سياق سعي الجزائر إلى مواصلة تسجيل معدلات نمو إيجابية، حيث شهد الاقتصاد الوطني نموا بلغ 4 بالمائة في السنوات الأخيرة، بشهادة المؤسسات المالية الدولية، وتسعى الحكومة إلى تعظيم هذا المسار، من خلال رفع الناتج الداخلي الخام ليبلغ ما يفوق 400 مليار دولار خلال السنوات القادمة، وهو هدف لن يتحقق إلا بتعزيز القطاعات ذات الأولوية، وعلى رأسها القطاع الصناعي.
وأوضح الخبير أن رئيس الجمهورية كان واضحا في رؤيته المستقبلية، حين تعهد برفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الداخلي الخام من 4 بالمائة حاليا إلى أكثر من 12بالمائة خلال الأمد القريب، مع التركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، وقد أعطى قانون الاستثمار الجديد دفعة قوية لهذا التوجه من خلال تقديم حوافز وتشجيعات ملموسة للمستثمرين في القطاعات الاستراتيجية.
وفي هذا الإطار، يعتبر قطاع صناعة السيارات أحد أبرز الرهانات، ليس فقط لما يتيحه من فرص استثمارية، بل لما يوفره من قيمة مضافة محلية، من خلال تقليص فاتورة الاستيراد التي تتجاوز 2 مليار دولار سنويا بين السيارات وقطع الغيار، وهو ما يشكل عبئا كبيرا على الميزان التجاري الوطني وبالتالي، فإن تقليص هذا العجز يعد مكسبا استراتيجيا للاقتصاد.
فضلا عن ذلك، تسهم هذه الديناميكية في خلق مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة لآلاف الشباب، كما تدعم قطاع التكوين المهني من خلال توجيه الطاقات الشابة نحو تخصصات تلائم حاجيات الصناعات الميكانيكية الحديثة، كما ستوفر هذه المبادرات للمواطن الجزائري سيارات بأسعار معقولة وتنافسية مقارنة بالمستوردة من الخارج.
الخطوة الأهم في هذا المسار تكمن في دمج الاقتصاد الجزائري ضمن سلاسل الإنتاج والقيمة العالمية، من خلال تصنيع مكوّنات السيارات وقطع الغيار وتصديرها نحو الأسواق الإقليمية والدولية، وهو ما يعكس تحسّنا واضحا في مناخ الاستثمار بالجزائر، ويعزّزه دخول شركاء أجانب مهمّين، على غرار سلطنة عمان التي استثمرت في شراكة مع شركة “هونداي”، إلى جانب اهتمام شركات دولية أخرى.
إن ما تشهده الجزائر اليوم هو ثمرة رؤية اقتصادية شاملة تسعى إلى إقامة اقتصاد منتج وتنافسي، يعوّل على الإمكانات الوطنية لخلق الثروة وتوفير فرص العمل، بعيدا عن التبعية للاستيراد، وهذا هو السبيل نحو بناء اقتصاد قوّي متين، قادر على مواجهة التحدّيات المستقبلية بثقة وفعالية.
حركية متزايدة
في السياق، أكد الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي لـ«الشعب” أن الاقتصاد الوطني يشهد حركية متزايدة، خاصة في مجال صناعة السيارات، حيث تم اتخاذ خطوات أوّلية مهمة، إلا أن الانطلاقة ما تزال لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب وتحتاج إلى مزيد من المتابعة والرقابة، خصوصا عبر تطبيق دفتر الشروط بشكل صارم.
وأوضح أن تطوير هذا القطاع لا ينبغي أن يقتصر على التركيب أو الإنتاج المحلي فقط، بل يجب أن يستند إلى رؤية استراتيجية واضحة تقوم على إنتاج موجه للتصدير، مع العمل على خلق نسيج صناعي متكامل يشمل قطع الغيار ولواحق السيارات.
وأضاف أيضا، السوق الجزائرية تعرف طلبا كبيرا قد يصل إلى مليون سيارة سنويا، ما يعكس الحاجة الملحة لبلورة استراتيجية قصيرة، متوسطة وطويلة المدى، تستند إلى تنويع المنتجات وتوسيع قاعدة المناولة، وتحويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى فاعل حقيقي في الصناعة التحويلية.
وشدّد على أهمية التكامل بين القطاعات المعنية، مثل النقل، الصناعة، التكوين المهني، التعليم العالي، والوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، من أجل تحديد الأولويات ووضع خريطة وطنية للاستثمار ترتكز على استغلال نقاط القوّة الاقتصادية، ما يساعد على توجيه الاستثمارات نحو المجالات الأكثر مردودية، وتحقيق تنمية متوازنة على المستوى الوطني.
وأشار تيغرسي، إلى أن الجزائر وقعّت مؤخرا على عدّة اتفاقيات هامة، منها اتفاقيات مع علامات مثل شيري، جيتور، وهونداي، مع دخول شركاء عرب وأجانب أبدوا نية واضحة في الاستثمار الفعلي والاندماج في السوق الوطنية، وذكر أن نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب تحسين مناخ الاستثمار، من خلال تبسيط الإجراءات البنكية، تسهيل الحصول على العقار الصناعي، مراجعة السياسات الضريبية، وتيسير عمليات الجمارك، بما يضمن تدفقا سريعا للمواد الأولية والمعدات.
كما دعا في الختام، إلى إبراز المزايا النسبية للجزائر، مثل الموقع الجغرافي المؤهل للتصدير نحو الأسواق الأوروبية، الإفريقية والآسيوية، فضلا عن توفير المواد الأولية التي تشكل أكثر من 30 بالمائة من مدخلات الإنتاج، وأكد أيضا على ضرورة التسويق الدولي للفرص الجزائرية عبر المعارض والدبلوماسية الاقتصادية، مع رسم خريطة واضحة للاستثمار، تجيب عن أسئلة محورية: ماذا نريد؟ كم نريد؟ ومن نريد أن نستقطب؟
خطوة جيّدة
بدوره، قال الخبير في مجال السيارات يوسف نباش، إن الاتفاقيات التي توقعّها الحكومة مع شركات صناعة السيارات تعدّ خطوة إيجابية نحو تطوير هذا القطاع، مشيرا إلى أن هذه المبادرات من شأنها أن تساهم في تقليص فاتورة الاستيراد، وتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي، فضلا عن توفير مناصب شغل جديدة.
وأكد في ذات السياق، أن النجاح الحقيقي يتطلب الالتزام بتطبيق دفتر الشروط، خاصّة فيما يتعلق بتصنيع قطع الغيار داخل الجزائر، واعتبر أن التركيز على هذا الجانب أمر بالغ الأهمية، لأنه يمثل الخطوة الأولى والأساسية لبناء صناعة قوّية، ويساهم في تقليل التبعية للخارج، ويعزّز من قدرة المشاريع على التطور.
وصرّح نباش، أن تطوير صناعة السيارات في الجزائر يقتضي إدماج قطع غيار محلية الصنع، لما لذلك من دور في خلق مناصب شغل جديدة وتقليص الاستيراد، ودعا في هذا السياق إلى دعم هذا التوجه وتشجيع المستثمرين الراغبين في الإسهام في تطوير هذا القطاع الحيوي.
بوادر انفراج
من جهته، المنسق الوطني بالجمعية الجزائرية لحماية المستهلك فادي تميم، قال: “لاحظنا انفراجا في سوق السيارات بعد صدور دفتر الشروط في 2023، حيث عادت بعض العلامات إلى التسويق، لكن الكميات المطروحة لا تزال غير كافية مقارنة بحجم الطلب في السوق، خاصة بعد سنوات من التوقف، السوق اليوم بحاجة إلى حوالي مليون سيارة حتى يعود التوازن، خصوصا مع ارتفاع أسعار السيارات المستعملة”.وأوضح في السياق، أن السلطات غيّرت استراتيجيتها، وأصبحت تشترط على العلامات الراغبة في دخول السوق أن تستثمر في التصنيع المحلي، هذا شيء إيجابي لأنه سيوفر مناصب شغل لليد العاملة الجزائرية، ويساعد في تطوير صناعة المناولة، ويقلل من الاعتماد على الاستيراد فقط.
أما بخصوص الجدل حول سيارات أقل من 3 سنوات أو الجديدة، فإن الاستيراد الخاص مفتوح، لكن المواطن ما زال ينتظر دخول المزيد من العلامات، ليكون أمام المستهلك خيارات متعدّدة ويختار السيارة التي تناسبه.كما أن فتح الاستيراد الخاص يشكل فرصة كبيرة لتنويع الخيارات أمام المستهلكين، مما يعزّز تنافسية السوق ويدفع باتجاه تحسين الجودة والأسعار، ومع دخول المزيد من العلامات التجارية الجديدة، ستتمكن العائلات من اختيار السيارات التي تناسب احتياجاتها وأذواقها بشكل أفضل، مما يفتح آفاقا أوسع للنمو ويعكس تطورا إيجابيا في قطاع السيارات المحلي.
ولعلّ الأكيد أن صناعة السيارات في الجزائر بصدد قطع خطوات مهمة نحو بناء صناعة محلية قوّية تساعد في التقليل من الاستيراد وتوفير فرص عمل جديدة، ومن خلال الاتفاقيات مع شركات عالمية وتطوير الإنتاج المحلي، تسعى الجزائر إلى تقديم سيارات بجودة جيدة وبأسعار مناسبة تلبي حاجة المواطن.