برزت الكشافة الإسلامية الجزائرية في الثلاثينيات، بفضل الشهيد محمد بوراس، الذي اقترح تأسيس حركة كشفية جزائرية والتي حولها إلى فيدرالية.
تأسست الجمعية الأولى للكشافة الإسلامية الجزائرية المسماة “رواد الجزائر”، في 1913 بالعاصمة، اما الجمعيات المسلمة التي أسست طبقا لقانون جويلية 1901، المتعلقة بالجمعيات لم توجد واحدة تنشط في حقل الكشافة، غير أن بعض شباب جزائريين كانوا يمارسون النشاط الكشفي ضمن فرق أوروبية في مدنهم مثل جمعية رواد فرنسا، كشافة الوحدويين.
انطلاقا من 1934 بدأ شبان جزائريون ينشؤون فروعا وفرقا كشفية في أهم المدن الجزائرية، لكن دون اعتماد رسمي، وفي جوان 1935 أودع محمد بوراس لدى ولاية الجزائر أول ملف لإنشاء جمعية للكشافة الإسلامية الجزائرية، لكن الملف رفض بحجة وجود عبارة من بين أهداف الجمعية، وهي تكوين شبه عسكري، تمت مراجعة العبارة واعتمدت الجمعية بعد سنة في 6 جوان 1936.
هذه المبادرة الأولى فتحت الطريق لإنشاء جمعيات أخرى عديدة منها، جمعية القطب بالعاصمة وشرشال في 1937، وتأسست جمعيات أخرى بشكل فردي بسطيف، مليانة، قسنطينة، وهران، قالمة، جيجل وتيزي وزو، سنتي 1938 و1939، كان شغلها الوحيد التميز عن الجمعيات الأوروبية، بحسب ما تؤكده مصادر تاريخية.
فكر محمد بوراس، وقادة مختلف الجمعيات ورؤسائها في توحيد الجمعيات ضمن اتحادية وكانوا في اتصال دائم مدة ثلاث سنوات، وفي فيفري 1939 فتح مكتب مؤقت للإتحادية برئاسة بوراس.
راسل الشهيد بوراس، رؤساء الجمعيات الكشفية الموجودة بقسنطينة وتبسة، قالمة، وجيجل باسم المجلس الإداري في 12 مارس 1939، لإعلامهم بتشكيل المكتب المؤقت لإتحادية الكشافة الإسلامية الجزائرية، المكون من أعضاء جمعيات هذا التنظيم الكشفي الناشطةعلى مستوى العاصمة، وهم أعضاء فوج الفلاح وقادة رؤساء الفروع، مكلفون بمتابعة تحضير المؤتمر إلى غاية 10 جويلية، وهو التاريخ الذي ينعقد فيه المؤتمر بالعاصمة إلى غاية 15 جويلية.
جاء في نص مراسلة محمد بوراس: ” إن الحركة الكشفية تعرف اليوم انتشارا هاما لدى الشعوب المتمدنة وعرفت هذه الحركة في بلدنا مؤخرة غير أننا خلال السنوات القليلة الأخيرة لاحظنا نشأة فروع كشفية في العملات الثلاثة للبلد”، وأعرب على الضرورة القصوى لتأسيس منظمة واحدة مؤهلة تقودنا نحو السبيل الأمثل للكشافة.
سجل المؤتمر حضور 250 كشافا منتمين لمختلف جمعيات الكشافة الإسلامية، إجتمعوا بالمكان المسمى “مقبض الماء” بالحراش، حيث ناقشوا مسائل تتعلق بالتشكيلة النهائية للمكتب، مراجعة القانون الأساسي، الإستيراتيجية المنتهجة.
انتخب عمر لاغا، رئيسا غير أن القرار نقض، ففي يوم 14 جويلية اجتمع مسؤولي الجمعيات بنادي الترقي، وقاموا بتعيين نهائي مكتب الإتحادية محمد بوراس، رئيسا، عمر لاغا، نائبه، وفتاح الطيب أمين عام والطاهر تجيني نائبه، سعيد رمان أمين مال، مختار ميلود، محمد بوبريت والصادق الفول مساعدان.
يوم 15 جويلية على الساعة العاشرة والنصف، قام المؤتمرون وفي مقدمتهم محمد بوراس، بإستعراض عبر شوارع مدينة الجزائر مرفقين بجوق جمعية النادي الرياضي الجزائري بحي بلكور.
وانتهى المؤتمر يوم16 جويلية بتنظيم حفل بقاعة الماجيستيك، حضره ممثلو الكشافة التونسية ورواد فرنسا، وشخصيات من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منها الشيخ الطيب العقبي، الشيخ عبد الحميد بن باديس، الشيخ بوعزيز، المفتي حمدان، عباس التركي، مكاسي، لمين دباغين، وغيرهم.
شرع مسؤولو الأفواج في تطبيق توجيهات مكتب الإتحادية بعد المؤتمر، وبعد الحرب العالمية الثانية انخفض نشاطها وزاد الوضع تفاقما استقالة محمد بوراس من منصبه، الذي ألقي عليه القبض وحوكم ثم أعدم في 27 ماي 1941.
الكشافة في الصفوف الأولى
خلال الحرب العالمية الثانية، انتشرت الروح الوطنية انتشارا واسعا في أوساط الشبيبة، حيث معظم القادة والجوالة كانوا ضمن الحركة الوطنية المعترف بها قانونيا باسم “أصدقاء البيان والحرية”، وفي مظاهرات ماي 1945، كانت الكشافة في الصفوف الأولى واستشهد العديد من أفرادها.
كان أغلبية القادة والجوالة أعضاء في حزب الشعب الجزائري وحركة الإنتصار، وهم الذين حولوا الحركة الكشفية إلى منظمة وطنية تابعة للحزب الوطني، الذي ساعدهم ماديا ومعنويا من 1949 إلى غاية 1954، بحسب ما تؤكده شهادات رواد الكشافة الإسلامية الجزائرية.
انضم القادة والجوالة الى صفوف جبهة التحرير وجيش التحرير ومنهم الشهداء والمسؤولون والمناضلون والفدائيون والجنود.
شهادة عيسى كشيدة
في هذا الصدد، يؤكد عيسى كشيدة في كتابه “مهندسو الثورة”، أنه اكتسب في فوج كشافة الرجاء بباتنة وفوج الشهاب بالجزائر العاصمة أبجديات الوطنية ونضج فكري، وأدرك ما كان يعانيه الجزائريون مع الاستعمار الفرنسي وأساليبه القمعية.
ويضيف “أن المسؤولين بالكشافة كانوا يرسخون فيهم فضائل الكشافة العالمية، واعتبرها المرحوم محمد بوضياف مدرسة لمناضلي الغد، وحرص دائما على تزايد عدد منتسبيها وتوسيع عدد مقراتها لأنها ستكون الملجأ الأمن عند الضرورة، وكان يكن الكثير من المودة لباجي مختار، الذي كان يصفه دائما بصديقنا الكشاف، والشئ نفسه لباسطا علي عضو في فوج كشافة الإجتهاد بأعالي القصبة.
ويشير كشيدة، إلى أن بوضياف كان حريصا على تطوير الحركة الكشفية، لأن هذه الأخيرة كانت تتوفر على مشتلة حقيقية لإعداد المناضلين، والتشجيع نفسه كان لدى الشهيد العربي بن مهيدي، الذي كان فخورا بإنتمائه إلى الحركة الكشفية،كما كانت لديه ذكريات جميلة عن أصدقائه الكشافة في مجموعة بسكرة، التي ساهمت في تكوين العديد من المناضلين في المنطقة.
وكان ديدوش مراد، أيضا عضوا في فوج الكشافة الإسلامية الجزائرية بفوج المرادية، وكان مولعا بالجوانب التقنية والميدانية في حياة الكشافين، ربطته علاقة جيدة بالمناضل إلياس دريس، قائد كشفي بحي المدنية.
اعلام الكشافة الإسلامية الجزائرية
من أعمدة الكشافة الإسلامية الجزائرية الشهيدين محمد بوراس، وحمو بوتليلس، عمر لاغا، الشيخ محمود بوزوزو، الطاهر التجيني، مراد بوكشورة، محمد درويش، حمدان بالعبد الوهاب، محفوظ قداش.
قدماء الكشافة الاسلامية على درب الأسلاف
واصل قدماء الكشافة الإسلامية الجزائرية، نضالهم بعد استرجاع السيادة الوطنية، في بناء الدولة حديثة الإستقلال بإطارات وكفاءات تكونت في الحركة الكشفية ابان الثورة، حيث أسسوا جمعية لتأطير الأطفال والشباب والمراهقين ومن يكبرونهم، التي تحصلت على الإعتماد في 05 نوفمبر 1989، بعد تقديم اقتراح التأسيس خلال جلسات مؤتمر الإنبعاث بنادي الصنوبر بالجزائر العاصمة، بتاريخ 31 جويلية 1989.
وقد قدم محفوظ قداش، كاخر محافظ وطني للحركة الكشفية في خطابه الإفتتاحي في مؤتمر جويلية 1989، فكرة عن المبادئ، التي يجب أن تسير الحركة الكشفية على منوالها مستقبلا.
تعتمد جمعية قدماء الكشافة الإسلامية الجزائرية، على أهداف تكوين الشباب في مختلف الميادين، تنمية حب الوطن لدى الشباب منذ الطفولة، التحسيس حول المسائل البيئية، وحماية الطبيعة وفق القانون الكشفي، الذي ينص على “الكشاف يحب النباتات ويرى في الطبيعة عظمة الله”.
وأيضا تطوير الكفاءات الفكرية والجسمانية وتقوية روابط الأخوة والتضامن والتعاون بين الشباب، وتشجيع المشاركات في التجمعات الدولية والوطنية للكشاف، والمساهمة في كتابة تاريخ الجزائر وعلى الخصوص تاريخ الحركة الكشفية قبل وأثناء الثورة التحريرية، وغيرها من الأهداف.