انتهكت فرنسا اتفاقية 2013 مع الجزائر، التي تكفل إعفاء حاملي الجوازات الدبلوماسية وجوازات السفر لمهمة من التأشيرات، في خطوة متعمدة ومستفزة وتحدٍّ سافر للقانون الدولي واستهتار فاضح بالتزاماتها الثنائية، كما يقول الخبير في القانون الدولي والشؤون الدبلوماسية معتمد بالاتحاد الأوروبي، الدكتور حمزة بن علاق.

أوضح الدكتور حمزة بن علاق، وهو أستاذ باحث بجامعة الحرية بولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية ومستشار قانوني بالمنظمة الدبلوماسية العالمية، أن الخرق الفرنسي لاتفاقية 2013، الذي تم دون إشعار رسمي عبر القنوات الدبلوماسية كما تنص المادة الثامنة منها، ليس مجرد تجاوز لمعاهدة دولية، بل محاولة يائسة من دولة تتخبط في أزماتها الداخلية لفرض ضغوط على الجزائر الشّامخة.
وأبرز بن علاق، في اتصال مع «الشعب»، أن الجزائر وقفت صلبة كالطود الأشم، وردت بقوة وحزم مدوٍّ ضد الاستفزازات الفرنسية، مشيرًا أن مناورات باريس الرخيصة لن تنال من كرامة بلد الشهداء أو سيادته، بل دفعت فرنسا ثمن سلوكها الأرعن عبر تطبيق صارم لمبدإ المعاملة بالمثل، بموجب القوانين والمواثيق الدولية.
خرق يتحدى القانون الدولي
أكد الأستاذ حمزة بن علاق، أن الاتفاقية الجزائرية- الفرنسية لعام 2013 تخضع لمبادئ معاهدة فيينا لقانون المعاهدات 1969، التي صادق عليها البلدان، وبموجب المادة 26 (Pacta Sunt Servanda) من القانون الدولي، يتعين على كل الدول الوفاء بالتزاماتها بحسن نية.
وأضاف بن علاق، أن تجاهل فرنسا للمادة 8 من الاتفاقية، التي تفرض إشعارًا رسميًا عبر القنوات الدبلوماسية، يشكل خرقًا صارخًا لهذا المبدأ، ولجوؤها إلى تسريبات إعلامية فجّة عبر مصالح وزارة الداخلية والمديرية العامة للشرطة الوطنية، بدلاً من التواصل الرسمي، ينتهك اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961؛ لأن المادة 22 منها تؤكد على وجوب التواصل الرسمي بين الدول، وهذا السلوك لا يقتصر على تحدي الاتفاق الثنائي، بل يمكن أن يُعتبر خرقًا جوهريًّا بموجب المادة 60 من الاتفاقية ذاتها، مما يمنح الجزائر الحق في اتخاذ تدابير مضادة، بما في ذلك الرد بالمثل أو تعليق المعاهدة.
وأشار المتحدث إلى أن تغافل فرنسا على استدعاءات الجزائر المتكررة للقائم بأعمال سفارتها، الذي أكد أربع مرات عدم تلقيه تعليمات من وزارته، يكشف عن سوء نية، ومحاولة خسيسة للتهرب من المسؤولية، ما يجعل من هذه التصرفات انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي وإهانة للأعراف الدبلوماسية التي تحترمها الأمم المتحضرة.
فرنسا تتهاوى تحت وطأة أزماتها
يؤكد الدكتور حمزة بن علاق، أن منع حاملي الجوازات الدبلوماسية الجزائريين من دخول فرنسا لن يضر الجزائر في شيء؛ لأنها لا تعتمد على دولة فقدت جاذبيتها وهيبتها، لافتا أن الجزائر بقوتها الاقتصادية المتنامية، واستقلال قرارها السيادي، في غنًى عن باريس، التي أصبحت عبئًا على نفسها قبل أن تكون عبئًا على غيرها.
وأبرز بن علاق، أن فرنسا التي كانت تتشدق بمبادئ الحرية والدبلوماسية، باتت اليوم رمزًا للفشل والتخبط، في ظل تصاعد أزمتها الاقتصادية الخانقة، وارتفاع التضخم، وتفاقم البطالة، وتدهور مستوى معيشة مواطنيها، ما جعلها دولة تترنح تحت وطأة إخفاقاتها الداخلية.
كما أن تفشي العنصرية والإسلاموفوبيا، مؤخرا، في وسطها الرسمي السياسي والاجتماعي، حوّلها إلى وجهة سفرية منبوذة وغير آمنة ولا رغبة فيها حتى للدبلوماسيين، بحسب قوله.
مقاومة تاريخية للهيمنة الفرنسية
أوضح الدكتور حمزة بن علاق، أن الجزائر لم تكن يومًا الطرف المبادر لاتفاقية 2013؛ وعندما تم فرض التأشيرات على مواطني البلدين في عام 1986، كانت فرنسا هي من اقترحت إعفاء حاملي الجوازات الدبلوماسية، وقوبل اقتراحها حينها برفض جزائري صلب.
وخلال تسعينيات القرن العشرين، جددت فرنسا عرضها ثلاث مرات، وواجهت في كل مرة رفضًا قاطعًا.
وفي عام 2007، وبعد إلحاح فرنسي متكرر، وافقت الجزائر على اتفاق ثنائي، تم توسيعه عام 2013 بمبادرة فرنسية أيضًا، مثلما شرح بن علاق.
واليوم -يتابع الخبير- تحاول فرنسا التنصل من التزاماتها عبر اتهامات باطلة في حق الجزائر، رغم أنها هي من أخلت بالاتفاق أولاً، معتبرا مزاعم باريس محض افتراءات لا تستند إلى حقيقة أو دليل، وتكشف عن نية فرنسية مبيتة لتشويه سمعة بلد الشهداء الناصعة والمهابة في العالم، وتبرير فشل حكومة اليمين التطرف أمام شعبها في نفس الوقت.
رد مدعوم بالقانون الدولي
أفاد الدكتور حمزة، أن الجزائر تملك الحق الكامل في الرد على الخروقات الفرنسية المتكررة، وهي التي أعلنت نيتها تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل بصرامة، وفعلت ذلك مرارًا سابقًا.
وأردف: «بموجب المادة 21 من مشروع مواد لجنة القانون الدولي بشأن مسؤولية الدول (2001)، يحق للدول اتخاذ تدابير مضادة متناسبة ردًّا على الأفعال غير القانونية تجاهها. كما أن فرض الجزائر لتأشيرات على الدبلوماسيين الفرنسيين، أو غيرها من الإجراءات المتبادلة، هو حق مشروع يتماشى مع هذا المبدأ، شريطة أن يتم بإشعار رسمي ووفقًا للإجراءات القانونية، وهذا لا يعكس فقط التزام الجزائر بالقانون الدولي، بل يؤكد على كرامتها وسيادتها في وجه استفزازات متعمدة من الطرف المقابل».
فضلا عن ذلك، ترسل الجزائر، بمواقفها الحازمة، رسالة واضحة إلى العالم، تفيد أنها دولة ذات سيادة ولا تنحني أمام محاولات الهيمنة أو الضغط من الخارج، حيث يتماشى سلوكها الرصين مع ميثاق الأمم المتحدة، الذي يؤكد في المادة 2(1) على مبدإ المساواة في السيادة بين الدول، ويرفض أي تدخل في الشؤون الداخلية أو محاولات لفرض الإرادة عبر الضغوط، يختم الخبير في القانون الدولي والشؤون الدبلوماسية، الدكتور بن علاق.