بدأت أولى أفواج الحجّاج الجزائريّين أداء المزارات الدينية في المدينة المنورة، أمس الثلاثاء، حيث جابت القوافل الجزائرية أبرز المعالم الإسلامية المرتبطة بالسيرة النبوية، في رحلة سياحية بأبعاد تعبّدية وروحية فريدة.
توقّفت الوفود بداية عند جبل أحد، حيث وقف الحجّاج بخشوع أمام مقبرة الشهداء لقراءة الفاتحة على أرواح الصحابة، الذين سقطوا في غزوة أحد، وعلى رأسهم سيّد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. ثم تابع الحجاج مسارهم نحو جبل الرماة، الذي شهد فصولًا حاسمة من تلك المعركة التاريخية، وتزيّنت صخوره بأسماء الزوار ونقوش بلغات شتى تعبّر على ارتباط روحي بالمكان.
بعدها، توجّه الحجّاج إلى مسجد القبلتين، حيث أدّوا ركعتين في المكان الذي نزل فيه الوحي بتحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، قبل أن يختتموا الزيارة إلى مسجد قباء، أول مسجد بني في الإسلام، الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزوره كل سبت ماشيا أو راكبًا.
وفي تصريح صحفي خصّ به وسائل الإعلام، قال رئيس مركز المدينة المنورة للبعثة الجزائرية للحجّ، بوذراع بلخير: «انطلق اليوم (أمس) أوّل فوج من حجّاجنا لزيارة المزارات، وقد وقفوا صباحًا عند قبر سيدنا حمزة رضي الله عنه في مقبرة شهداء أحد، وها هم الآن يؤدون بعض الركعات في مسجد القبلتين، تقرّبًا إلى الله عز وجل. وجودنا هنا لمتابعة أحوال ضيوف الرحمن وتقديم الدعم الكامل لهم، وهو تجسيد لتوجيهات السلطات الجزائرية وعلى رأسها السيد رئيس الجمهورية، من أجل تمكين الحجّاج من أداء مناسكهم في أفضل الظروف وتمثيل بلدهم أحسن تمثيل».
من جانبه، أكّد رئيس فرع المزارات في المدينة المنورة إدريس بن هاشم، في تصريح لـ» «الشّعب» على البعد الروحي والتاريخي لهذه الزيارات، قائلًا: «دور المزارات في الحجّ يتجاوز الجانب المعرفي والتاريخي، فهي تربط الحاج بالمعالم النبوية وتمنحه إحساسًا عميقا بالانتماء إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام».
وأضاف: «زيارة مثل مسجد قباء، الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: من تطهّر في بيته ثم أتى قباء فصلّى فيه ركعتين كان له أجر عمرة، تجعل الحاج يعيش تفاصيل المسيرة النبوية كأنها واقع ماثل أمامه».
ورافقت جولة الحجّاج في المدينة لمحات بصرية وإنسانية مؤثّرة، مثل الحمام المنتشر في ساحات جبل أحد، والنساء من مختلف الأعمار اللّواتي يبعن الحنطة للزوار، والكتابات على الصخور بلغات مختلفة من أنحاء العالم، وكلّها توثّق ذكرى زيارة مكان له رمزيته الدينية والتاريخية.
وفي مسجد القبلتين، وُثّق المشهد بصعود الحجّاج عبر السلالم الكهربائية نحو السطح حيث تُقام الصلاة، في ساحة يلطّف حرّها رذاذ مراوح الماء، بينما تتعاقب أعوام الحجّ وتظهر كل سنة بنايات جديدة تغيّر وجه المدينة، لكنها لا تمسّ جوهرها الروحي. وفي ختام الزيارة، ارتفعت الدعوات بحج مبرور وسعي مشكور، وعودة سالمة إلى الوطن، حيث يبقى هذا الموسم محطة إيمانية لا تُنسى في ذاكرة كل حاج.