أكد مشاركون في فطور صباح الاستشراف حول “اليقظة الفنية.. الفن والمستقبل”، اليوم السبت بالمكتبة الوطنية بالحامة (الجزائر العاصمة)، الذي تنظمة المؤسسة الجزائرية “صناعة الغد”، أن الفن في الجزائر بحاجة إلى يقظة حقيقية، تعيده إلى موقعه الطبيعي كرافعة هوية وتنمية، وصوت مجتمع، ومرآة لحاضره، وبوصلة لمستقبله.
في إطار مساعيها لبلورة رؤى مستقبلية تخدم التنمية الوطنية وتعزز دور العمل الجمعوي، تواصل المؤسسة الجزائرية “صناعة الغد” الجزائرية جهودها كمنصة استشرافية فاعلة منذ انطلاقها سنة 2014، وتعمل المؤسسة في الوسط الجمعوي مكملةً لنشاطات المجتمع المدني، واضعة على عاتقها مهمة الحوار الاجتماعي والثقافي مع المواطنين داخل الوطن ومع الجالية الجزائرية في الخارج، بغية مناقشة قضايا الحاضر واستشراف تحديات المستقبل.
تتبنى المؤسسة، التي يرأسها الوزير الاسبق والخبير في الاستشراف الأستاذ بشير مصيطفى، خطابًا علميًا مبسطًا ومتاحًا للجميع، مع الحرص على إشراك النخبة من خبراء ومثقفين ضمن خلايا “اليقظة الاستراتيجية”، التي تهتم بمجالات التنمية الشاملة على الصعيدين المحلي والوطني. ويصل عدد محاور اليقظة التي تشتغل عليها المؤسسة إلى سبعة عشر، لكل منها مجالها وأولوياتها.
واحدة من أبرز هذه المحاور هي “اليقظة الفنية”، التي ظهرت لأول مرة سنة 2016 في باريس، وتم الإعلان الرسمي عنها سنة 2017 بالعاصمة الجزائرية. وشكلت هذه المبادرة محور اللقاء الأخير لفطور استشرافي نظمته المؤسسة، بحضور فاعلين في المجال الثقافي والفني وممثلين عن المجتمع المدني.
وجاء اللقاء ليسلّط الضوء على المشكلات التي يعانيها الفن والفنانون في الجزائر، وسبل استعادة الفن لدوره المحوري كقوة ناعمة في خدمة نهضة الوطن.
وتعمل “اليقظة الفنية” على إعداد قاعدة بيانات وطنية للفنانين، ورصد انشغالاتهم وتصوراتهم، مع تقديم اقتراحات وتوصيات تُرفع لاحقًا إلى رئيسة الجمهورية،عبد المجيد تبون والوزارة الوصية، والجهات المعنية، في إطار ما يُعرف بـ”نشرية يقظة”، التي تصدرها المؤسسة بشكل دوري.
بشير مصيطفى: آمل أن يستعيد الفن الجزائري مكانته الريادية
في هذا السياق، عبّر رئيس المؤسسة، بشير مصيطفى، عن أمله في أن يستعيد الفن الجزائري مكانته الريادية، كما كان في زمن الثورة التحريرية، حيث لعب الفن دورًا مهمًا في توعية الشعب وبث الأمل في أحلك الظروف. ودعا إلى ضرورة دعم الفن كرافعة أساسية لجزائر جديدة متصالحة مع ذاتها، ومتصلة بتاريخها وذاكرتها، ومقبلة على مستقبل أكثر إشراقًا.
وأكّد الاستاذ مصيطفى أن مثل هذه اللقاءات والمبادرات تعمل على اعادة للفن مكانته كقوة ناعمة، في جزائر ناهضة متطلعة لغد أجمل وتعيد إلى الجزائر زمن الفن الجميل، مذكّرا ان الفن رسالة وقضية.
ودعا الوزير السابق، الفاعلين في المؤسسة إلى التقرب من فناني الأرياف والمناطق المعزولة، لاخراجهم من دائرة الصمت والتجاهل، من أجل تكفل أفضل بانشغالاتهم.
باديس فضلاء: التكنولوجيا شريك في الإنتاج الفني لا بديل له
من جهته، ألقى الفنان والمخرج المسرحي باديس فضلاء، ضيف الفطور، كلمة مؤثرة تناول فيها رؤيته لدور الفن في المجتمع. واعتبر فضلاء أن الفن ليس مجرد وسيلة تعبير جمالي، بل هو عملية تربوية وفكرية وعاطفية تعبّر عن الواقع وتستشرف المستقبل. وأضاف أن الفنان إنسان يقظ، يسمع ما لا يُقال، ويترجم نبض المجتمع بلغة فنية راقية، لا تحتاج إلى الترجمة لأنها تتحدث إلى الوجدان الإنساني مباشرة.
وتؤ طرق فضلاء إلى تأثير التكنولوجيات الجديدة، وخاصة الذكاء الاصطناعي، على العملية الإبداعية. وأكد على ضرورة أن يُحسن الفنان التعامل مع هذه الأدوات الحديثة، لتكون شريكًا في الإنتاج الفني لا بديلًا له، محذرًا من مخاطر ضياع البصمة الإنسانية في العمل الفني، وكذلك انتهاك حقوق الملكية الفكرية وانتشار القرصنة.
في نظر فضلاء، المستقبل ينقسم إلى ثلاثة آفاق: مستقبل محتمل، وهو الذي نتوقعه ونستعد له؛ ومستقبل ممكن، نملكه بإمكاناتنا إذا أحسنا استخدام أدوات التغيير؛ ومستقبل منشود، نرسم ملامحه برؤية بعيدة المدى.
وفي هذا الإطار، دعا إلى دمقرطة الفن ليكون في متناول الجميع، من خلال التربية الفنية واستعمال الفضاء الرقمي لتقديم عروض مسرحية وفنية، وكذلك العودة إلى السينما في الهواء الطلق.
وفي تصريح لـ “الشعب اونلاين” على هامش الحدث، يقول رحمان بلال، الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجتمع المدني والنحالف من أجل المستقبل، ان هناك برنامج مشروع كبير من أجل ادراج الفنانين القدامى في رسم مستقبل الفن في الجزائر .
ويضم المشروع أيضا برنامج تنسيقي لإعداد منصة رقمية مخصصة للفنانين ومرصد وطني للفنانين والمثقفينن وآليات أخرى تهتم بقضايا الفن والفنانين.
ويقول الممثل الجمعوي ان برنامج المؤسسة الجزائرية “صناعة الغد” برنامج ثري يقدّم تصورات ورؤى استشرافية مستقبلية في آفاق 2044 تشمل مجالات عدة. ويأتي لقاء اليوم كوقفة تكريم بسيطة للمجتمع المدني تجاه الفنانين الذين قدموا الكثير للمواطن الجزائري وصمدوا في أحلك الأزمات ولم يتخلوا عن مهمتهم النبيلة، كنوع من الاعتراف والامتنان بفضلهم على الوطن المواطن.
توصيات لمستقبل فني أفضل..
وخرج اللقاء بجملة من التوصيات ترفعها المؤسسة إلى رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي يعتبر الفن والفنان من أولوياته، والسلطات المختصة، في مقدمتها ضرورة تأسيس منظومة فنية متماسكة، مبنية على فهم عميق للهوية الجزائرية، ومنفتحة في الآن ذاته على العصر.
وأوصى المشاركون بضرورة دعم الدولة للفنانين لضمان العيش الكريم، وتشجيع المبادرات المحلية والابتكار، إلى جانب تحسين التسويق الثقافي من خلال الترويج الإعلامي والمعارض المتنقلة.
ومن التوصيات المهمة أيضًا، دمج الفنون في المنظومة التربوية، وتعزيز السياحة الثقافية، والعمل على إنشاء مراكز ثقافية وقاعات عرض وسينما حديثة، لتكون جسورًا للتفاعل الثقافي والنهضة الفنية في الجزائر.
ودعا المشاركون أيضا إلى تخصيص هيئة أو خلية لليقظة والاستشراف الفني، وإنشاء مرصد وطني للفنون والثقافة، وبوابة رقمية وطنية للفنون لتسهيل عمل الباحثين، إضافة إلى احتضان الشركات الناشئة في المجال الفني.
وعلى الهامش، كرّم الفنان والمخرج المسرحي باديس فضلاء، بشهادة تقدير وعرفان من المؤسسة الجزائرية “صناعة الغد” على مساهمته الفعالة في انجاح النشاط.
للإشارة، حضر اللقاء ثلة من الفنانين، وممثلون عن المجتمع المدني والأسرة الاعلامية، ووزّعت بالمناسبة بطاقات انخراط لمواطني العاصمة وما جاورها من مجمل 500 بطاقة شرفية تاريخية بخط رئيس المؤسسة.