مع سياسة الجزائر الجديدة في تطوير الفلاحة وتحقيق الأمن الغذائي، تبرز ولاية تيميمون منطقة واعدة جنوبي الجزائر، بفضل ما تملكه من مقومات طبيعية ومساحات شاسعة صالحة للاستصلاح.
يسجل القطاع الفلاحي بالولاية ديناميكية متسارعة، مدعومة بتوجه حكومي واضح لتشجيع الاستثمار الفلاحي من خلال منح العقار في إطار عقود الامتياز، وإنشاء محيطات فلاحية ضخمة، وتوفير الدعم المالي والتقني للفلاحين.
في هذا الحوار، يسلّط مدير المصالح الفلاحية لولاية تيميمون، رفيق بن منصور، الضوء على واقع القطاع، فرص الاستثمار، المحاصيل الاستراتيجية، ودور التكنولوجيات الحديثة، إضافة إلى مكانة شعبة التمور وتربية المواشي، ضمن رؤية تنموية متكاملة ترسم ملامح مستقبل فلاحي واعد لهذه الولاية الفتية.
“الشعب أونلاين” ما هو واقع الفلاحة في ولاية تيميمون؟
مدير المصالح الفلاحية بتيميمون: تقع ولاية تيميمون في الصحراء الكبرى للجزائر، وتضم 4 دوائر و10 بلديات، بمساحة فلاحية إجمالية تُقدَّر بـ285 ألف هكتار.
تُعد تيميمون قطبًا فلاحيًا بامتياز في جنوب البلاد، إذ تُبدي استعدادًا كبيرًا لاستقطاب المستثمرين في قطاع الفلاحة. ويشهد هذا القطاع حركية متزايدة في الولاية، مع إقبال لافت من المستثمرين، لا سيما في الزراعات الإستراتيجية.
تمنح الدولة العقار الفلاحي في إطار عقود الامتياز لتشجيع الاستثمار الزراعي، كيف يمكن الاستفادة من هذا النوع من العقار في تيميمون؟
يمكن للمستثمرين الاستفادة من العقار الفلاحي في الولاية ضمن المحفظات المخصصة، وفي إطار الأطر القانونية المنظمة لهذا النوع من الاستثمارات.
من بين الهيئات المعنية، نذكر الديوان الوطني للأراضي الفلاحية، وديوان تنمية الزراعة الصناعية بالأراضي الصحراوية، للاستثمار في مساحات تفوق 250 هكتارًا.
وتتم الاستفادة من العقار الفلاحي بالتسجيل عبر المنصة الرقمية التابعة لهذين الديوانين، ويمكن للمستثمرين التقدّم في إطار القانون 83-18 بعد إيداع ملفاتهم على مستوى الدائرة، حيث تتكفل لجنة يرأسها رئيس الدائرة بدراسة الطلبات.
ويؤطّر المرسوم التنفيذي 24-55 الاستفادة من العقار الفلاحي ضمن ما يُعرف بـ”الرواق الأخضر”، الذي يهدف إلى تسهيل وتشجيع الاستثمارات الفلاحية الكبرى في الجنوب الجزائري، مثل المشروع الجزائري–الإيطالي الضخم لتطوير الزراعات الاستراتيجية، والذي يمتد على مساحة 36 ألف هكتار خلال الموسم الفلاحي 2024/2025، على بُعد حوالي 200 كيلومتر من مقر الولاية.
وشهدت تيميمون في السنوات الأخيرة إقبالًا متزايدًا من المستثمرين، خصوصًا في الزراعات الاستراتيجية مثل الحبوب، والبقوليات، والذرة، والبذور الزيتية، حيث بلغت المساحة المخصصة لها هذا العام 576 هكتارًا.
وماذا عن المحاصيل الإستراتيجية؟
خُصصت بولاية تيميمون مساحة تُقدَّر بـ6700 هكتار لزراعة المحاصيل الإستراتيجية، مثل الحبوب والبقوليات، خلال الموسم الفلاحي 2024-2025.
وفي إطار تشجيع الاستثمار في هذا المجال، استفاد مستثمر من ولاية قسنطينة من عقار فلاحي مساحته 12 ألف هكتار، ضمن مشروع “سنابل خيرات تيميمون”، الذي من شأنه أن يضيف قيمة حقيقية للفلاحة في الولاية بفضل خبرته في مجال تكثيف البذور.
تمتلك ولاية تيميمون محيطات فلاحية واسعة، تمتد على 220 ألف هكتار في إطار منح عقود الامتياز، إلى جانب 39 ألف هكتار تندرج ضمن ديوان تطوير الزراعات الفلاحية بالجنوب، و48 ألف هكتار أخرى خُصصت ضمن إطار “الرواق الأخضر”.
وقد عرفت زراعة الذرة ارتفاعًا بنسبة 41 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية، في حين شهدت زراعة الحبوب نموًا تدريجيًا، حيث سجلت زيادة تقدر بنحو 25 بالمائة.
هل الجزائر قادرة على تحقيق أمنها الغذائي بفضل الإستراتيجية الجديدة لدعم الاستثمار الفلاحي بالولاية وغيرها من المناطق والولايات؟
أكد رئيس الجمهورية أن الجزائر لن تستورد القمح الصلب هذه السنة، وفيما يخص الذرة والشعير. ومن المتوقع أن تحقق البلاد اكتفاءً ذاتيًا خلال الموسم الفلاحي 2025-2026.
لقد أصبح تطوّر الفلاحة في الجزائر واقعًا ملموسًا، ولم يعد تحقيق الاكتفاء الذاتي في الحبوب مجرّد شعار. فمنذ تسلمي مسؤولية المصالح الفلاحية بالولاية قبل أربع سنوات، استفاد فلاحو تيميمون من دعم الدولة، والمرافقة التقنية، وكذا التسهيلات الإدارية اللازمة.
توفّر الدولة دعمًا للفلاحين بـ 50% فيما يتعلق بالأسمدة، إلى جانب دعمها لعمليات السقي الفلاحي وربط المستثمرات بالطاقة الكهربائية، حيث تم ربط أكثر من 1600 مستثمرة بالكهرباء. كما تُمنح تسهيلات لاستيراد العتاد الفلاحي الذي يقل عمره عن 7 سنوات، فضلاً عن تشجيع تصنيع العتاد الفلاحي محليًا.
مع التقنيات والتكنولوجيات الجديدة، كيف يتأقلم قطاع الفلاحة بالولاية؟
شهدت الجزائر في السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا في السقي الفلاحي، حيث أصبح يعتمد على تقنيات عصرية، منها السقي المحوري، الذي يمكن تشغيله وضبط خصائصه، مثل سرعة التدفق، انطلاقًا من تطبيقات ذكية على الهاتف.
وتُعد هذه التقنيات الحديثة إضافة حقيقية لقطاع الفلاحة، لما توفره من فعالية وجودة في الاستغلال.
وفي هذا السياق، أنشأت ولاية تيميمون نحو 16 محيطًا فلاحيًا على مساحة 70 ألف هكتار، وذلك في إطار القانون 83-18 المتعلق بالحيازة على الملكية العقارية الفلاحية، بهدف تمكين المستثمرين من اقتناء الأراضي والدخول في البرنامج الوطني الهادف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي.
بخصوص شروط الاستفادة من ملكية العقار الفلاحي في إطار هذا القانون، يُمكن للمستثمرين الحصول على عقود امتياز من خلال ديوان تنمية الزراعة الصناعية بالأراضي الصحراوية، والديوان الوطني للأراضي الفلاحية، وذلك عبر المنصات الرقمية المخصصة، ضمانًا للشفافية.
ويُشترط في المستثمر توفر القدرة المالية الكافية لتنفيذ مشروعه الفلاحي.
وخصصت الدولة ضمن القانون 24-55 ما يُعرف بـ”الرواق الأخضر”، الذي يتيح إنشاء مشاريع كبرى، من خلال منح عقارات فلاحية بمساحات تبدأ من 10 آلاف هكتار بالنسبة للمحاصيل الاستراتيجية، ولا تقل عن 2000 هكتار بالنسبة للمستثمرين المختصين في تكثيف البذور.
هل تساهم هذه المشاريع في خلق مناصب شغل مباشرة أو غير مباشرة، وإعطاء ديناميكية لهذه الولاية الفتية؟
المشروع الإيطالي الضخم، على سبيل المثال، قدّم حتى الآن طلبًا لـ60 منصب عمل عبر الوكالة الوطنية للتشغيل، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد تدريجيًا.
ويُطلب من كافة المستثمرين خلق فرص عمل لفائدة شباب الولاية، في إطار الجهود المبذولة للحد من البطالة.
وفيما يخص مرافقة الفلاحين في التكوين، يوفر المعهد التقني للتكوين في الزراعات الصحراوية برنامجًا لتأهيل الفلاحين والإطارات، بهدف رفع مستواهم المهني وتعزيز كفاءاتهم.
ويشمل هذا التكوين التحكم في استعمال الأسمدة بشكل عقلاني، سواء من حيث ترشيد التكلفة، التي شهدت ارتفاعًا في السوق العالمية، أو من حيث الحفاظ على صحة المستهلك.
ولاية تيميمون غنية بأنواع التمور، ما واقع هذه الشعبة؟
تولي الدولة أهمية كبيرة لشعبة التمور، حيث منحت هذا العام دعماً مباشراً للفلاحين من خلال توفير فسائل النخيل، ضمن برنامج يمتد على ثلاث سنوات، ويهدف إلى غرس مليون فسيلة نخيل في ولايات الجنوب.
وفي السنة الماضية، تم إبرام اتفاقية بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، في إطار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD)، لتكوين الفلاحين حول تقنيات تخزين وحفظ وتغليف التمور، بهدف تحسين جودتها ومظهرها التسويقي. كما تم تقديم توصيات للفلاحين لتأسيس جمعيات مهنية متخصصة.
تحتضن ولاية تيميمون حوالي مليون و400 ألف نخلة، وتزخر بأنواع متعددة من التمور، تشمل الأصناف المبكرة والمتأخرة. وتمتد فترة جني التمور من شهر ماي إلى غاية أكتوبر، وهو ما يستدعي تأسيس مجالس مهنية وهيكلية لتنظيم الشعبة، وتسويق منتوج الولاية الذي يتمتع بمؤهلات تؤهّله لمنافسة “دقلة نور” في الأسواق العالمية.
ماذا عن زراعة الأشجار المثمرة وتربية المواشي بالولاية؟
يجري العمل حاليًا، بالتنسيق مع وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، على تنفيذ مشروع كبير لتطوير زراعة أشجار “الفارغان” في الولاية.
وبالنسبة لتربية المواشي، تتوفر تيميمون على إمكانيات معتبرة في تربية الجمال، والماعز، وأنواع أخرى من الماشية. وتعمل مصالحنا على مرافقة الفلاحين والمستثمرين المهتمين بهذا المجال، من خلال تقديم تسهيلات إدارية لتأسيس تعاونيات تُسهم في تنمية قطاع الفلاحة بالولاية.
