أكّد وزير الثقافة والفنون زهير بللو، اليوم السبت بالجزائر العاصمة، خلال إشرافه على افتتاح تظاهرة “الجزائر عاصمة الثقافة الحسانية” لعام 2025، أنّ احتضان الجزائر لهذه التظاهرة “تجسيد حي لعمق الروابط” بين الجزائر وموريتانيا والصّحراء الغربية.
أوضح بللو، في كلمة له بقصر الثقافة مفدي زكريا، أنّ استلام الجزائر مشعل هذه التظاهرة من موريتانيا “ليس مجرّد انتقال رمزي، بل هو تجسيد حي لعمق الروابط التي تربطنا بها، وبكل الشعوب الشقيقة التي تشترك معنا في هذا الفضاء الثقافي الرحب، وفي طليعتها الجمهورية العربية الصّحراوية الديمقراطية”.
واعتبر الوزير أنّ احتضان الجزائر لهذه التظاهرة “محطة بالغة الدلالة في مسار ترسيخ الوعي الثقافي المشترك، وتعزيز أواصر الأخوة والتكامل بين شعوبنا، انطلاقا من إدراك عميق بأنّ الثقافة، بكل تجلياتها، هي جسر للتواصل وأداة للتعارف وركيزة من ركائز التنمية والإستقرار”.
كما شدّد الوزير على أنّ الجزائر ومن خلال احتضانها لهذا الحدث الهام، “تؤكّد التزامها المتواصل بدعم التنوع الثقافي، باعتباره أحد مقومات الهوية الوطنية”، لافتا إلى أنّ “الثقافة الحسانية ظلت حاضرة في العديد من مناطق الوطن (..) التي تحتفظ إلى اليوم بتقاليدها الحسانية الأصيلة، مجسّدة بذلك عمق الجذور الثقافية والروحية، التي تربط الجزائر بجوارها الإفريقي والعربي”.
وتابع الوزير بالقول أنّ الثقافة الحسانية في الجزائر تعتبر “عنصرا حيا في هويتنا ومجالا واعدا للتبادل مع شعوب الجوار، لاسيما مع الأشقاء في موريتانيا والجمهورية الصّحراوية، وهو ما يدعونا إلى التفكير في سبل تطوير ديبلوماسية ثقافية فاعلة تعزّز روابطنا وتخدم تاريخنا ومستقبلنا المشترك”.
وأضاف بللو أنّ قطاعه قد بادر في هذا الإطار إلى إطلاق مشاريع ثقافية طموحة، من بينها طباعة ونشر عدد من المؤلفات في مجالات الأدب والتراث الحساني خلال السنة الفارطة، التحضير لإنتاج أفلام سينمائية ووثائقية تعنى بالثقافة الحسانية والتعريف بها وطنيا ودوليا، وكذا السعي لإعداد خطة عمل مشتركة مع الشركاء الثقافيّين في موريتانيا والجمهورية الصّحراوية.
من جهته، قال وزير الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان، الناطق باسم الحكومة الموريتانية، الحسين ولد مدو، أنّ “اختيار الجزائر، ذات الإرث الثوري والثقافي العريق، لتكون عاصمة للثقافة الحسانية، هو اختيار بليغ الدلالة لأنه يؤكّد أنّ الحسانية موروث مشترك لأبناء هذا الفضاء الحرّ الذي لم تعرف حدوده القيود الإدارية إلا حديثا، وإنما رسمته القوافل والقصائد والمجالس والعلاقات الأخوية الإنسانية الضاربة في الجذور”.
وأضاف المتحدث بأنّ موريتانيا ترى في احتضان الجزائر لهذه التظاهرة “لحظة مشرقة من لحظات التعاون الثقافي الأخوي بينها وبين الجزائر، تعبيرا عن عمق الوشائج التي تربط البلدين والتي تتجاوز الجغرافيا والسياسة لتطال مجالات الفكر واللغة والإبداع، كل المشترك الثقافي والحضاري”.
كما اعتبرها “مبادرة أصيلة تنبض بعمق الإدراك والوعي بقيمة هذا الموروث الثقافي الباهر، الذي يشكّل أحد أبرز ملامح وتجليات الذاتية الحضارية لفضائنا الصّحراوي الكبير، الممتد بعيدا في الزمان والمكان على خارطة لا ترسمها الجغرافيا فحسب وإنما ترسمها قبل ذلك اللغة والذائقة والذاكرة والهوية”.
بدوره، ثمّن وزير الثقافة الصّحراوي، موسى سلمى لعبيد، احتضان الجزائر لهذه التظاهرة، بالقول أنّ الجزائر “تؤكّد في كل منعطف تاريخي أنها ليست فقط دولة مساندة للمظلومين، بل مدرسة في الوفاء وقلعة من قلاع الإنتصار للحق”، مضيفا أنّ “هذه التظاهرة العظيمة ليست مجرّد حدث ثقافي عابر، بل هي محطة نضالية رمزية تؤكّد أنّ الثقافة الحسانية، بثقلها وعمقها وامتدادها، هي إحدى ركائز الهوية وجسر من جسور التواصل بين شعوبنا ودرع من دروع مقاومة النسيان”.
وأردف موضّحا بأنّ الجزائر اليوم “تحتضن شعوبا تتقاسم معها التاريخ والجغرافيا والمصير، شعوبا آمنت بأنّ الجزائر كانت وستظل سندا وعهدا وصوتا للحرية وضميرا حيا للقضايا العادلة”، مؤكّدا أنّ إعلان الجزائر عاصمة للثقافة الحسانية هو “إعلان وفاء” و«إعلان وحدة” بين شعوب الجزائر والصّحراء الغربية وموريتانيا.
ومن ناحيته، أشاد رئيس الاتحاد العالمي لأدباء الحسانية، الدوه ولد بنيوك، بتنظيم الجزائر لهذه التظاهرة، معتبرا إياها تظاهرة “جامعة” بين شعوب موريتانيا والصّحراء الغربية والجزائر، وأنها “لحظة تاريخية تكرّم الإنسان الصّحراوي”.
وعرف حفل افتتاح هذه التظاهرة، المنظمة تحت شعار “الحسانية تجمعنا”، تدشين معارض متنوعة -مرافقة لهذه التظاهرة- تخص الثقافة الحسانية، من بينها معارض للكتاب والمخطوطات والسينما والصناعات التقليدية، وكذا نماذج من العادات والتقاليد والطقوس التراثية التي تعد إرثا مشتركا بين الدول المشاركة، بالإضافة إلى معرض عن الحظيرة الوطنية لتندوف.
وتهدف هذه التظاهرة الهامة إلى التعريف بالتراث المشترك لمنطقة غرب الصّحراء الإفريقية وتعميق العلاقات بين الشعوب، حيث تشارك فيها وفود هامة من فنانين وباحثين وأدباء، من بينهم أكثر من 40 مشاركا من موريتانيا و60 مشاركا من الصّحراء الغربية، وهذا بهدف إثراء اللقاءات مع نظرائهم الجزائريّين بخصوص الثقافة الحسانية.
وستعرف هذه التظاهرة إقامة برنامج ثقافي وفكري وفني تم تسطيره للمناسبة، أبرزه الملتقى الدولي الأول “الثقافة الحسانية: هوية وعمق إفريقي مشترك”، اليوم الأحد، والذي سيعرف مشاركة باحثين جزائريّين وموريتانيّين وصحراويّين سيناقشون عدة محاور تخص قضايا الفكر والعلم والمعرفة والتاريخ والثقافة والعولمة في المجتمعات الناطقة باللهجة الحسانية. كما ستعقد ندوة حول السينما والثقافة الحسانية بعنوان “السينما في خدمة الثقافة الحسانية: توثيق التراث وإحياء الهوية”، غدا الإثنين، ستتطرّق إلى مواضيع تخص تمثلات الثقافة الحسانية في السينما والبعد اللغوي للهجة الحسانية وتوظيفها سينمائيا، ناهيك عن موضوع السينما الجزائرية في خدمة الثقافة الحسانية، بالإضافة إلى عروض وطنية لأفلام سينمائية جزائرية وموريتانية وصحراوية.
وستشهد كذلك تظاهرة “الجزائر عاصمة الثقافة الحسانية”، إقامة برنامج ثقافي وفني ثري عبر فضاءات قصر الثقافة مفدي زكريا والمسرح الوطني الجزائري، ويتعلّق الأمر بأمسيات شعرية وسهرات فنية بعروض موسيقية على آلات موسيقية مميّزة للثقافة الحسانية كـ«التيدينيت” و«الآردين”.
وتنظم تظاهرة “الجزائر عاصمة الثقافة الحسانية” لعام 2025، من طرف وزارة الثقافة والفنون، بالتعاون مع الاتحاد العالمي لأدباء الحسانية، وهذا إلى غاية 23 يونيو الجاري.
للإشارة، حضر حفل افتتاح هذه التظاهرة وزير الثقافة والفنون مستشاري رئيس الجمهورية، المكلف بالشؤون الدينية والزوايا والمدارس القرآنية محمد حسوني، والمكلف بالشؤون السياسية والعلاقات مع الشباب والمجتمع المدني والأحزاب السياسية زهير بوعمامة، وكذا رؤساء هيئات وطنية ومثقّفين وفنانين.