حملت توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في مجلس الوزراء، المنعقد أوّل أمس، رؤى عملية وإصلاحات جوهرية تمس مختلف جوانب المنظومة الفلاحية، بدءا من الأداء الميداني خلال موسم الحصاد، مرورا بإعادة هيكلة الأجهزة الإدارية، ووصولا إلى إشراك الكفاءات الوطنية وربط المسؤولية بالمردودية. وأجمع خبراء ومختصون في المجال الفلاحي على أن هذا التوجه الجديد يفتح آفاقا واعدة لتحوّل نوعي في إدارة وتخطيط القطاع، بما يضمن تحقيق السيادة الغذائية آفاق 2030.
تعكس توجيهات رئيس الجمهورية بحسب ما يؤكد خبراء لـ«الشعب”، إرادة سياسية قوّية في تطوير قطاع الفلاحة وضمان سيادته واستدامته، من خلال إرساء منظومة عملية متماسكة تقوم على أساس الشفافية والمردودية والربط الوثيق بين التخطيط والإنتاج الميداني، كما تؤشر إلى بداية مرحلة جديدة في تسيير القطاع الفلاحي تعتمد على الصرامة في التقييم والجرأة في الإصلاح، مع إشراك الكفاءات الوطنية وتمكينها من لعب دورها الكامل في تحقيق نهضة زراعية حقيقية تضمن للجزائر أمنها الغذائي وتمنح للفلاح مكانته المستحقة في المنظومة الاقتصادية الوطنية.
ملف: زهراء بن دحمان وفايزة بلعريبي وسفيان حشيفة
خبراء لـ”الشعب”: الفلاحة مفتاح الأمن الغذائي والإكتفاء الذاتي
أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال ترؤسه لاجتماع مجلس الوزراء المنعقد الأحد، على الأهمية الاستراتيجية لقطاع الفلاحة باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي الوطني، ومصدرا رئيسيا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في ظل الظروف المناخية والاقتصادية المتغيرة التي تعرفها الساحة الدولية.
في هذا السياق شدّد الرئيس تبون، على ضرورة رفع مستوى الأداء وتحقيق نتائج أفضل خلال موسم الحصاد والدرس لسنة 2025 مقارنة بالموسم السابق، معتبرا أن النجاح في بلوغ هذا الهدف يتطلب تفعيل العمل الميداني وتركيز الجهود حول فعالية الأداء لا حول الشكليات.
وأمر رئيس الجمهورية بالعمل الصارم والحرص المتواصل من أجل تحسين مؤشرات الإنتاج الوطني، ودعا إلى عقد اجتماع دقيق ومفصل فور نهاية عملية الحصاد يكون مخصصا لتقييم النتائج المحصلة من حيث الكمية والنوعية وتحليل المجهودات الفعلية المبذولة من قبل الفلاحين وإطارات القطاع، مع التأكيد على ضرورة أن يكون هذا التقييم مبنيا على معايير شفافة وموضوعية تسمح باستخلاص الدروس وتوجيه السياسات الزراعية نحو المزيد من النجاعة والفعالية.
وفي سياق الهيكلة الإدارية والتنظيمية وجه رئيس الجمهورية تعليمات صارمة بإعادة ضبط وتجديد الهيكل التنظيمي القائم على تنفيذ مخططات القطاع الفلاحي بما يضمن انسيابية أكبر في العمل وتكامل الأدوار بين مختلف الجهات الفاعلة، حيث شدّد على أن يشمل هذا الضبط المديريات الفرعية وجميع المصالح المعنية على المستوى المحلي والوطني، مع ضرورة تثمين المجهودات الحقيقية لأبناء الميدان الذين يشتغلون في صمت ويساهمون بشكل فعلي في دعم الإنتاج الوطني، ورفض كل الممارسات الاستعراضية التي لا تضيف قيمة عملية حقيقية.
موسم الحصاد.. محطّة مفصلية
في السياق، يقول رئيس المنظمة الوطنية للفلاحة والأمن الغذائي والخبير في الفلاحة والموارد المائية كريم حسن، إن “توجيهات رئيس الجمهورية خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير تؤكد أن موسم الحصاد 2025 يمثل محطة استراتيجية مفصلية في مسار تعزيز الأمن الغذائي الوطني، حيث شدّد على ضرورة تحقيق نتائج أفضل مقارنة بموسم 2024”.
وأكد الخبير كريم حسن أن هذه التوجيهات تعكس وعيا سياديا بأهمية ترقية القطاع الفلاحي، من خلال أداء ميداني أكثر فعّالية وتخطيط يستند إلى تقييمات علمية واقعية، يأخذ في الحسبان التحدّيات المناخية والاقتصادية التي تواجه شعبة الحبوب.
ويرى الخبير حسن أن الرؤية الجديدة التي عبّرت عنها التعليمات الرئاسية تستوجب مراجعة شاملة لآليات تسيير القطاع، تشمل تقييم النتائج بعد الحصاد، وتجديد الهياكل التنظيمية، وتسليط الضوء على أصحاب المجهودات الحقيقية ميدانيا، واعتبر أن عقد اجتماع تقييمي دقيق بعد انتهاء موسم الحصاد، خطوة في الاتجاه الصحيح، لما تحمله من تكريس لمبدأ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، ما يسمح بتحسين الأداء وتطوير خطط أكثر فعالية للمستقبل.
وبحسب تحليلات الخبير كريم حسن، فإن تحقيق الأهداف المسطّرة لموسم 2025 يقتضي اعتماد مقاربة علمية وتقنية متكاملة، تبدأ بتحسين إدارة الموارد المائية من خلال تطبيق تقنيات الرّي الذّكي، واستغلال نظم جمع وتحليل بيانات الطقس والتربة لتحديد التوقيت المثالي للسّقي. كما أوصى رئيس منظمة الفلاحة والأمن الغذائي باختيار أصناف حبوب محسّنة ومتأقلمة مع خصوصيات المناخ المحلي، بالتنسيق مع مراكز البحوث الزراعية التي تمتلك الكفاءات والخبرات اللازمة في هذا المجال.
وفي الجانب المتعلق بالتسميد والتغذية النباتية، أكد الخبير كريم حسن ضرورة اعتماد التسميد الذكي المبني على تحليل التربة واحتياجات المحاصيل، واستعمال الأسمدة العضوية والبيولوجية لتحسين خصوبة التربة وتعزيز جودة الإنتاج. كما دعا إلى تبني استراتيجيات فعالة في مجال مكافحة الآفات والأمراض، تعتمد على مبادئ المكافحة المتكاملة والاستشعار عن بعد، بهدف تقليل استعمال المبيدات الكيميائية والحفاظ على البيئة وجودة المحصول.
وشدّد الخبير كريم حسن على أهمية تأهيل الفلاحين ميدانيا من خلال تنظيم ورشات تكوينية وتدريبات تطبيقية، تضمن لهم اكتساب مهارات جديدة وتحديث معارفهم في التقنيات الزراعية الحديثة. كما دعا إلى توفير أدوات رقمية تساعد الفلاحين على تتبع مراحل نمو المحصول واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، ما يسهم في رفع الإنتاجية وتحقيق مردودية أعلى.
واعتبر الخبير كريم حسن أن نجاح موسم الحصاد لا يقاس فقط بالكميات المنتجة، بل بمدى فاعلية منظومة ما بعد الحصاد، وخاصة فيما يتعلق بالتخزين والنقل والتسويق. وأكد في هذا الصدد أن تحسين البنية التحتية، من خلال تطوير شبكات التخزين والتبريد، وضمان وصول الحبوب إلى الأسواق بجودة عالية، هو عامل حاسم في تقليص الفاقد ورفع المردودية الاقتصادية.
وفي إطار تعزيز التنسيق بين مختلف الفاعلين، اقترح الأستاذ كريم حسن إنشاء المجلس الوطني الأعلى للفلاحة، كهيئة استشارية وتخطيطية عليا تضطلع بمهمة وضع السياسات الزراعية ومتابعة تنفيذها، بالتعاون مع مراكز البحث، الجامعات، ومكاتب الدراسات. ورأى أن هذا المجلس يمكن أن يشكل منصة استراتيجية لتوحيد الجهود، وتبادل الخبرات، وتحفيز البحث العلمي التطبيقي الموجه نحو تحسين إنتاجية الحبوب وتطوير تقنيات استغلال الموارد المائية.
وشدّد الخبير كريم حسن على أهمية تفعيل دور مكاتب الدراسات والاستشارات الفلاحية، من خلال إنشاء قائمة وطنية معتمدة تضمن جودة الدراسات، مع وضع آليات رقابة صارمة لمتابعة تنفيذ المشاريع الزراعية وتحميل المسؤوليات عند التقصير. وأكد ضرورة تعزيز التعاون بين هذه المكاتب ومراكز البحوث الزراعية والجامعات الوطنية، على غرار مركز البحوث الزراعية وجامعة القاهرة، لما لها من دور ريادي في تطوير نماذج زراعية ناجحة ترتكز على الابتكار والتكنولوجيا.
وفي ختام تحليله، شدد الخبير كريم حسن على أن موسم الحصاد 2025 يجب أن يُنظر إليه كمحطة مفصلية في مسار بناء منظومة زراعية مستدامة، قادرة على الاستجابة للتحديات الحالية والمستقبلية، وضمان للسيادة الغذائية الوطنية. ورأى أن نجاح هذه المرحلة مرهون بتظافر جهود كل المتدخلين، من فلاحين، ومهندسين، وإدارات، وباحثين، في إطار منظومة متكاملة تتأسّس على الحكامة، المتابعة الميدانية، واعتماد أحدث ما توصّل إليه العلم في مجال الزراعة الذكية.
إصلاح آليات الإنتاج وتجميع المحاصيل
من جهته، أكد عضو اتحاد المهندسين الزراعيين الجزائريين ومسؤول التنظيم عبد المجيد صغيري، أن الاهتمام الرئاسي المتجدد بالقطاع الفلاحي والإرادة السياسية الداعمة للزراعات الإستراتيجية، يشكلان فرصة تاريخية لإحداث نقلة نوعية في الإنتاج الوطني وتحقيق السيادة الغذائية بحلول سنة 2030، لاسيما مع انخراط مؤسسات استثمارية دولية ومحلية في مشاريع فلاحية واعدة تعتمد على الابتكار والتكنولوجيا والتسيير العلمي للموارد الفلاحية.
وفي قراءة تقنية للوضع، كشف صغيري بأن عملية الحصاد في ولايات الجنوب سجلت تقدما كبيرا إذ تم جني أكثر من 80 بالمائة من المساحات المزروعة والتي تجاوزت 150 ألف هكتار من الحبوب، مشيرا إلى أن المردودية تراوحت ما بين 50 و80 قنطارا للهكتار، وهو ما يعكس فعالية الجهود المبذولة في هذه المناطق رغم محدودية الموارد.
أما بخصوص المناطق الشمالية، فقد أوضح صغيري أن حملة الحصاد انطلقت بشكل تدريجي منذ أواخر شهر ماي، ومن المتوقع أن تستكمل مع منتصف شهر أوت، مضيفا أن هناك تحديات تقنية لا تزال قائمة على رأسها ارتفاع نسبة الفقد في الحصاد والتي تجاوزت 25 بالمائة، وهو ما يستدعي وفق تعبيره إعادة معايرة وضبط آلات البذر والحصاد بما يضمن تقليص الخسائر ورفع مستوى استرجاع المحصول.
وفي سياق التنظيم اللوجستي والتنفيذي، أبرز عبد المجيد صغيري أهمية تطبيق المادة 30 من قانون المالية التكميلي لسنة 2022 التي تلزم المستثمرين الفلاحيين بتسليم كامل محصولهم إلى تعاونيات الحبوب والبقول الجافة، مشيدا في ذات السياق بعملية استلام مخازن جديدة بعدد من الولايات والتي ساهمت في تسهيل عمليات التجميع والتخزين، خصوصا في الجنوب الذي عانى لسنوات من هشاشة البنية التحتية المخزنية.
ويرى صغيري أن هذه الإجراءات، تندرج ضمن خطة وطنية تهدف إلى رفع القدرة التخزينية إلى ما يفوق 9 ملايين طن، ما يسمح بضمان استقرار المخزون الاستراتيجي للحبوب وتحقيق مرونة أكبر في التعامل مع تقلبات السوق العالمية.
وفي معرض حديثه عن دور الكفاءات، دعا عبد المجيد صغيري إلى إعادة الاعتبار لمكانة المهندس الزراعي عبر صياغة قانون أساسي خاص بهذه الفئة الحيوية، مشددا على ضرورة توسيع صلاحيات المديريات المحلية للزراعة بما يسمح لها باتخاذ قرارات تتماشى مع الخصوصيات المناخية والاجتماعية لكل منطقة.
كما طالب بضرورة إشراك المهندسين الزراعيين في التقييمات التقنية للمواسم الفلاحية وفرض حضورهم في الميدان لاسيما في الشعب الإستراتيجية مثل شعبة الحبوب.
وحول آفاق موسم 2025–2026 أعرب عبد المجيد صغيري عن تفاؤله بإمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب والشعير، خاصة في ظل توسيع المساحات المزروعة إلى أكثر من 2.5 مليون هكتار منها 2.4 مليون في الشمال وقرابة 150 ألف هكتار في الجنوب، إلا أنه نبّه إلى أن أكثر من 80 بالمائة من هذه المساحات تعتمد على التساقطات المطرية، داعيا إلى ضرورة توسيع المساحات المسقية، من خلال استغلال محطات تحلية المياه والمياه المعالجة وربط السدود، بما يسمح بإنشاء محيطات مسقية من شأنها مضاعفة الإنتاج وتحسين الجودة.
كما دعا صغيري إلى إنشاء مجلس أعلى للأمن الغذائي والمائي يتبع لرئاسة الجمهورية، يتولى مهمة إعداد الرؤية الإستراتيجية للقطاع، وتنسيق جهود المؤسسات العمومية والقطاع الخاص، واقتراح حلول علمية قابلة للتنفيذ، بمساهمة الجامعيين والخبراء وممثلي المنظمات المهنية والاجتماعية، مشددا على أن هذا المجلس يجب أن يكون مرجعية وطنية في مواجهة التحديات المناخية وضمان الاستقرار الغذائي والمائي للبلاد.
لطفي غرناوط لـ”الشّعب”: لهذا يطمح الرئيس تبون في بلوغ الإنتاجية الأعلى
اتسم موسم حصاد 2025 بنتائج تبشّر بنجاحه وتطور ملحوظ في النتائج المحقّقة، يبقى مرهونا باتخاذ جميع التدابير اللوجستية، التقنية والعلمية لحماية المحصول من الهدر والتلف، وهو ما ركّز عليه رئيس الجمهورية خلال ترؤّسه مجلس الوزراء، أول أمس، كما أمر بعقد اجتماع تقييمي للموسم يتم من خلاله رصد مكامن القوة لتدعيمها ونقاط الضعف لتداركها مستقبلا. وقدمت المساحات المسقية منتوجا مرتفعا، مقارنة مع المساحات التي تعتمد على المياه المطرية، ممّا يشجّع على اعتماد تقنيات الري الحديث والمساحات الواسعة في تطوير الزراعات الإستراتيجية وتحقيق الإكتفاء الذاتي من الحبوب ومنه الأمن الغذائي.
أوضح أستاذ العلوم الزراعية بجامعة تولوز، لطفي غرناوط، في اتصال مع “الشّعب”، أن التعليمات التي أصدرها السيد رئيس الجمهورية، الأحد، بضرورة تحقيق نتائج متميّزة في موسم 2025 تفوق ما تم تسجيله في 2024، مع إجراء تقييم دقيق بعد انتهاء عملية الحصاد، تعكس الحرص المستمر على تحقيق أهداف الإستراتيجية الوطنية الشاملة لتحقيق الأمن الغذائي وتقليل فاتورة الاستيراد خاصة في الشّعب الإستراتيجية كالحبوب، إضافة إلى التركيز على التقييم الدقيق عبر مؤشّرات ميدانية ما يُساهم في تحديد نقاط القوة والضعف في الأداء، ممّا يتيح وضع استراتيجيات أكثر فعالية مستقبلا.
وشدّد غرناوط على ضرورة الإشارة إلى أنّ موسم الحصاد مثل موسم الحرث والبذر، يمثل مرحلة حساسة ومحدّدة زمنيا وأي تأخّر أو خلل في إدارتها قد يؤدي إلى فقدان نسبة من الإنتاج تجاوزت حاليا 20 بالمائة، بسبب قدم الآلات وصعوبة ضبطها بشكل جيد. إضافة إلى عوامل أخرى مثل التخزين الذي يفتقر إلى التقنيات الحديثة للمحافظة على جودة الحبوب.
وحسب التصريحات الرسمية الأولية لوزير الفلاحة – التي استند إليها المتحدّث – فإنّ الجزائر حقّقت في هذا الموسم اكتفاء كاملا في القمح الصلب تجاوز 2.5 مليون طنّ من هذه المادة ذات الاستهلاك الواسع، بارتفاع قدر بـ12 بالمائة، مقارنة بموسم 2024، الذي بلغ 2.2 مليون طن بمردودية قدرت بـ55 قنطار/هكتار، وهي النسبة التي وصفها غرناوط بـ«المقبولة جدّا”، نظرا لاقترابها من النسبة المرجوة وهي 80 قنطار/هكتار، وهو ما يوضّح الإرتفاع المستمر في أداء الشّعبة التي عرفت تطورا ملحوظا خلال بين موسم 2024، أين تم تحصيل 4.1 مليون طنّ بارتفاع ملحوظ فاق 17% من إجمالي إنتاج الحبوب لموسم 2023، الذي بلغ 3.5 مليون طن.
تفادي الهدر وضمان الجودة..
وعلى الرغم من التحسّن الملحوظ – يقول غرناوط – تبقى ضرورة الرفع من قيمة إنتاج الحبوب، مطروحة لتلبية حاجيات السوق الوطنية التي تتجاوز 11 مليون طنّ سنويا من القمح بنوعيه، وهذا راجع بشكل كبير إلى ضعف إنتاج القمح اللين الذي قدر الموسم الماضي بحوالي 0.8 مليون طنّ – حسب الأرقام الرسمية – في حين يتجاوز الإستهلاك المحلي من هذه المادة 7 مليون طنّ، أي بفارق يتجاوز 6 مليون طن/سنويا، وهذا راجع لعدة عوامل على رأسها النمط الإستهلاكي للجزائريّين.
كما عرفت مادة الشعير تحسّنا طفيفا في الإنتاج خلال الموسم الماضي بحوالي 1.2 مليون طنّ، وعجز قدّر بمليون طنّ تستوردها الجزائر لمواجهة العجز المحلي. كما شدّد غرناوط على ضرورة تكثيف الجهود فيما يتعلق بالزراعات الإستراتيجية الواسعة كالذرة الحبية الموجهة للاستهلاك الحيواني، والتي لا تقل أهمية عن القمح، مستندا إلى الكمية الكبيرة التي تستوردها الجزائر من هذه المادة والتي تتراوح بين 4 و5 مليون طن/سنويا.
وثمّن محدثنا التعليمات الصارمة التي أسداها رئيس الجمهورية للاهتمام بتطوير زراعة هذه المادة بشراكة مع القطاع الخاص بالجنوب الجزائري، خاصة على محور المنيعة وأدرار، وغيرها من الزراعات التي تهدف إلى ضمان تحقيق أفضل نتائج ممكنة، وذلك عبر توفير الإمكانات الميكانيكية واللوجستية اللازمة في الوقت المناسب لتسريع العملية وتقليل تعرض المحصول للظروف المناخية، إضافة إلى مرافقة ضبط عمليات الحصاد وآلياتها، وتحسين وتنظيم شروط التخزين، لتفادي الهدر وضمان جودة الحبوب، حيث أنّ عملية الحصاد تتقدم بنسب تجاوزت 60 بالمائة في بعض المناطق الشمالية والداخلية.
وأضاف غرناوط أنّ هذه النتائج الإيجابية المحقّقة ترتبط بشكل مباشر بالإستراتيجية الوطنية لتنمية الشعب الإستراتيجية، ومن خلالها التوجّه نحو تطوير الزراعات الصّحراوية وتقليص الإعتماد على الزراعة المطرية، إضافة إلى توسيع المساحات المسقية حيث تم تسجيل ارتفاع ملحوظ في المساحات المسقية من 1.5 مليون هكتار سنة 2023 إلى 2.1 مليون هكتار لموسم 2025، حيث ارتفع إنتاج القمح الصلب في ولايات مثل أدرار، الوادي و المنيعة، وتيميمون بسبب التوجّه إلى الرّي الحديث ليتراوح إنتاج الهكتار ما بين 60-80 قنطار/الهكتار مروية، مقارنة بـ15-20 قنطار في المناطق المعتمدة على الأمطار.
ما بعد الموسم.. تقييم دقيق
ومن النقاط الهامة التي تطرّق إليها رئيس الجمهورية في لقاءه الوزاري – يقول محدثنا – الدعوة إلى عقد اجتماع بعد موسم الحصاد لتقييم المجهودات الميدانية، كآلية للتقييم تعتمد على مؤشّرات الأداء لتصحيح أي خلل مستقبلا، إضافة إلى قراره بضبط وإعادة تجديد الهيكل التنظيمي للتنفيذ ضمن القطاع الفلاحي. وهذه خطوة اعتبرها غرناوط أساسية كونها تهدف إلى تعزيز الفعالية والكفاءة والنزاهة عن طريق كفاءات ميدانية جاهزة، تتمتع بخبرة في التسيير والتخطيط الإستراتيجي على مختلف المستويات ومعرفة تقنية وقدرة على تحليل البيانات والتكيف مع التقنيات الحديثة في الزراعة، وبالتالي فإنّ الطموح الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية لتحقيق إنتاجية عالية مقارنة بالسنوات الماضية، يتماشى تماما مع الإمكانات المسخّرة من طرف الدولة كالمدخلات الأساسية في الوقت المناسب والمكنّنة الحديثة إضافة إلى توفير البذور المناسبة والعالية الجودة في الوقت المناسب أيضا.
من جهة أخرى، شدّد أستاذ العلوم الزراعية، على ضرورة العمل على زيادة الفعالية والإسراع مع الدقة في تنفيذ الإستراتيجية، سواء على المستوى المركزي أو المحلي من خلال تجديد الهياكل التنظيمية لكل الشعب خاصة مع تراجع شعبة الإنتاج الحيواني، التي تشهد خللا هيكليا وتنظيما قبل أن يكون تقنيا، ما يجعلها تقليدية عموما. وقد ركّز المتحدث على أهمية الإعتماد على التخطيط الإستراتيجي الدقيق والإستشراف، وتحيين الأولويات والإعتماد على الوسائل التكنولوجية الحديثة لتعميم النتائج الإيجابية. مع تحيين المؤشّرات التي ترتكز عليها عمليات التقييم الدوري.
كما اعتبر التوجّه نحو الزراعة الصّحراوية رؤية استراتيجية حكيمة بالاعتماد على المساحات الواسعة والمياه الجوفية، شريطة الاستدامة وتعزيز العمل المشترك مع البحث العلمي للتحسين الجيني للبذور والموارد الحيوانية، وطرق الإنتاج وتسيير الموارد الطبيعية والتنسيق المحكم مع مختلف القطاعات الفاعلة، من أجل فعالية أكثر وسرعة في تحقيق الأهداف.
مهنيّون: تثبيت أسس سيادة غذائية وطنية قائمة على الإنتاج المحلي
أكّد مهنيّون من قطاع الفلاحة أنّ محصول موسم الحصاد والدرس 2024-2025 سيكون أوفر من الموسم الماضي، مستندين إلى المؤشّرات الإيجابية المسجّلة عبر عدة ولايات، بفضل توفر الظروف المناخية المناسبة واستلام عدد من مراكز التخزين وتوفير دعم أكبر للفلاحين، تماشيا مع توجيهات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بهذا الخصوص.
وتشير توقّعات المهنيين إلى أنّ نتائج الموسم الفلاحي الحالي، من شأنها أن تقرّب الجزائر أكثر من هدف تحقيق الإكتفاء الذاتي في الحبوب، وتثبيت أسس سيادة غذائية وطنية قائمة على الإنتاج المحلي، لا سيما بعد المردودية العالية التي تم تحقيقها في الولايات الجنوبية.
وكان رئيس الجمهورية قد أمر، لدى ترؤسه لاجتماع مجلس الوزراء، أمس الأحد، بعقد اجتماع في ختام موسم الحصاد والدرس، لتقييم النتائج والمجهودات المبذولة، مع ضبط الهيكل التنظيمي لقطاع الفلاحة وتجديده، موجّها بالعمل والحرص الصارمين لتحقيق نتائج في موسم حصاد 2025 تفوق تلك المسجّلة الموسم الماضي.
في هذا الإطار، أشار الأمين الوطني للاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريّين، خلف الله مشري، في تصريح لـ«وأج”، إلى أنّ الموسم الفلاحي الحالي “يبشر بالخير” في معظم الولايات، وأنّ المحصول سيكون “أعلى من السنة الماضية”، بفضل الموسم الممطر والمجهودات المبذولة من طرف المهنيّين، بالإضافة إلى المردودية العالية في الولايات الجنوبية التي تعتمد على السقي المحوري.
وأكّد مشري أنّ الجزائر على وشك تحقيق الإكتفاء الذاتي التام في القمح الصلب (حاليا 80 بالمائة ينتج محليا)، خاصة في ظل احترام المسار التقني والتخلّص من المشاكل التي كانت تواجه الفلاحين، لا سيما ما تعلّق بجمع الحبوب وتخزينها، بفضل دخول المخازن الجوارية والمركزية حيّز الخدمة وتوفير إمكانات النقل، ما سيمكّن الفلاح من تسليم المنتوج بكل أريحية.
وأشار المتحدث إلى أنّ تحضيرات الفلاحين لانطلاق موسم الحصاد والدرس بدأت منذ قرابة شهر، بالموازاة مع عمل تعاونيات الحبوب على تحضير مراكز التخزين والصوامع والعتاد، لضمان حصد القمح فور نضوجه ونقله سريعا إلى المخازن، تفاديا لضياعه أو تعرضه للعوامل الطبيعية.
ويستدعي تحسين الأداء بشكل مستمر، اعتماد “منهجية عمل جديدة” لتقييم الإجراءات والإمكانات التي يتم توفيرها خلال موسم الحصاد والدرس سنويا، وعدم الإكتفاء بتقييم النتائج، يضيف مشري، الذي أشاد بتوجيهات رئيس الجمهورية، بخصوص تحرير الفلاحين من تعقيدات الإجراءات الإدارية.
من جانبه، أكّد رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة، محمد يزيد حمبلي، أنّ التعليمات التي أسداها رئيس الجمهورية خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير، تندرج ضمن الدعم المتواصل لهذا القطاع الإستراتيجي، مشيرا إلى أنّ موسم الحصاد والدرس 2024-2025 شهد تطورا مقارنة بالموسم الماضي، بفضل تساقط الأمطار واتساع المساحات المخصّصة للحبوب في الولايات الجنوبية، التي سجلت بها “نتائج أولية جيدة”.
وأضاف أنّ تعليمات رئيس الجمهورية بشأن تنظيم لقاء تقييمي بعد موسم الحصاد والدرس، تمثل “محطة مفصلية” لوضع استراتيجية الموسم القادم والوقوف على النقائص والإيجابيات، في ظل تقلبات دولية تحتّم تعزيز الأمن الغذائي الوطني. وأشار رئيس الغرفة إلى أنّ حملة الحصاد والدرس لهذا الموسم تتميز أيضا باستثمارات معتبرة في مجال التخزين، بفضل استلام عدد من المخازن الجوارية.
ونوّه حمبلي بجهود الفلاحين رغم التحديات التي تواجههم وفي مقدمتها التقلبات المناخية، داعيا إلى مواصلة الإستثمار في السقي التكميلي، وتحسين الجودة والمردودية، من خلال اعتماد بذور مقاومة للجفاف تمكّن من رفع الإنتاج بنسبة 30 بالمائة.
وبرسم الموسم الفلاحي الحالي، تم تخصيص أكثر من 3 ملايين هكتار لزراعة الحبوب، منها أكثر من 1 مليون هكتار لزراعة القمح الصلب وأكثر من 1 مليون هكتار للشعير، كما تم توفير 4.2 مليون قنطار من البذور المعتمدة تلبية للطلب المسجل. وبالولايات الجنوبية، أين انطلقت حملة الحصاد والدرس الشهر الماضي، بمساحة مزروعة قاربت 150 ألف هكتار (+ 40 ألف هكتار مقارنة بالموسم الفلاحي الفارط)، تم تسجيل نتائج جدّ إيجابية، حسب المسؤولين المحليّين.ويهدف البرنامج الوطني لتعزيز قدرات تخزين الحبوب لإنجاز 350 مركزا جواريا للتخزين بسعة 50 ألف قنطار/مركز، أي بسعة تخزين كلية تصل إلى 17.5 مليون قنطار، وإنجاز 30 صومعة لتخزين الحبوب طويل المدى، بطاقة استيعاب تقدر بـ250 ألف قنطار لكل وحدة تخزين، إضافة إلى رفع التجميد على 16 صومعة كانت مجمدة منذ 2016. وبهذا، ستنتقل السعة الإجمالية الوطنية لتخزين الحبوب من أكثر من 4 ملايين طنّ حاليا إلى أكثر من 9 ملايين طنّ.وكان رئيس الجمهورية قد أمر بتحويل مشاريع صوامع تخزين الحبوب إلى ولاة الجمهورية، معتبرا توسيع طاقات التخزين محورا من محاور السياسة الجديدة للدولة ورؤيتها الإستشرافية لمسألة الأمن الغذائي. كما رفعت الدولة سعر شراء الحبوب والبقول الجافة من الفلاحين وزادت نسبة دعم الأسمدة إلى 50 بالمائة من سعرها المرجعي قصد التخفيف من آثار ارتفاع أسعارها في الأسواق الدولية، فضلا عن إقرار تسهيلات بنكية عديدة و تعميم القروض لفائدة الفلاحين عبر كافة البنوك العمومية، إلى جانب تدعيم حظيرة النقل التابعة للديوان الجزائري المهني للحبوب.
سفيان سقاي لــ”الشعب”: توجيهات الرئيس تبون أغلقت المنافذ أمام التسيير العشوائي
يضخّ القطاع الفلاحي الجزائري سنوياً كميات هائلة من المنتجات النباتية والحيوانية بالأسواق الوطنية، محققاً الاكتفاء الذّاتي في عديد المحاصيل الزراعية الاستهلاكية مثل الخضروات بكل أصنافها، حيث بلغ ناتجه الداخلي الإجمالي الخام 37 مليار دولار في سنة 2024.
أمر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، خلال ترؤس اجتماع لمجلس الوزراء أمس الأول، تناول عرضاً خاصاً بموسم الحصاد والدرس 2025، بالعمل والحرص الصارمين من أجل تحقيق نتائج أعلى في موسم الحصاد الحالي تفوق القيمة المسجلة في موسم 2024، على أن يتم عقد اجتماع دقيق نهاية العملية لتقييم النتائج المحصل عليها والمجهودات المبذولة من قبل الفلاحين وإطارات القطاع.
ووجه رئيس الجمهورية، بإعادة تجديد وضبط أكبر للهيكل التنظيمي بغية تنفيذ مخططات القطاع الفلاحي، وبأن يشمل هذا الضبط مختلف المديريات الفرعية، مع إبراز أصحاب المجهودات الميدانية الحقيقية لا أصحاب الاستعراض الفخري.
وفي هذا الشأن، قال الأستاذ بالمدرسة العليا للفلاحة الصحراوية بالوادي، البروفيسور سفيان سقاي، إن رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، جعل قطاع الفلاحة أولوية قصوى، من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي في الأمد القريب، باعتبارهما ركيزة أساسية لاستقلالية القرار وحماية السيادة الوطنية.
وأكد البروفيسور سقاي، في تصريح لـ«الشعب”، أن عملية الحصاد والدرس لصيف 2025 في الجزائر، تشهد ديناميكية متزايدة، عكست التوجه الجديد الذي تبنته الدولة من أجل تحقيق الأمن الغذائي الوطني وتعزيز الإنتاج المحلي.
وأوضح سقاي، أن نمو القطاع الفلاحي في السنوات الأخيرة، جاء في سياق توجيهات صارمة من قبل رئيس الجمهورية، الذي دعا في مناسبات عديدة إلى مضاعفة الجهود والعمل الميداني لتحقيق نتائج أفضل بمختلف المنتجات الزراعية، خاصة المحاصيل محل استيراد من الأسواق الخارجية كالقمح بنوعيه الصلب واللّين.
وتميزّت حملة الحصاد والدرس لهذا الموسم – وفقا للمتحدث – بتعبئة شاملة لمختلف الفاعلين في القطاع، من فلاحين وإطارات وإدارات محلية، حيث تم تسخير الوسائل التقنية واللوجستية الضرورية لضمان سير العملية في ظروف جيدة، خاصة في ظل التحديات المناخية التي تعرفها البلاد. وسُجل تحسن ملحوظ في آليات التنظيم والتنسيق، ما انعكس إيجاباً على المردودية الإنتاجية في عدد من ولايات الإنتاج الكبرى على غرار سطيف، قالمة، البويرة، بجاية، تيارت، أدرار، ورقلة والوادي.
وثمّن سقاي توجيهات رئيس الجمهورية، القاضية بعقد اجتماع تقييمي دقيق فور انتهاء الحصاد، لتقييم النتائج المحققة وتثمين المجهودات الحقيقية في الميدان، معتبرا إياها خطوة معزّزة للأداء، من شأنها إقصاء كل أشكال التسيير العشوائي والشكلي. كما أن التأكيد على ضرورة إعادة هيكلة الهيئات التنظيمية في القطاع الفلاحي، لا سيما على مستوى المديريات الفرعية، يضمن نجاعة أكبر في تنفيذ المخططات الوطنية للفلاحة، وبلوغ الغايات الغذائية المستدامة.
حصيلة موسم الحصاد والدرس لصيف 2025، تعدّ حتى الآن مشجعة في العديد من أقاليم الوطن الكبير، مع تسجيل زيادة معتبرة في حجم الإنتاج مقارنة بالسنوات الماضية، وهو ما يبرز أهمية التسيير الفعّال والتخطيط المسبق، ويؤكد أن الاستثمار في القدرات البشرية والميدانية هو السبيل الأنجع لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي في الجزائر، يقول البروفيسور سفيان سقاي.