في زمن استخدام التضليل الإعلامي وتزييف الحقائق، كأسلحة للتشويش على الدول والشعوب، في شاشات الهواتف ومنصات التواصل الاجتماعي، تحاول ممارسات اعلامية مغربية خبيثة “اختلاق” تصريحات وشخصيات جزائرية وهمية وتفبرك سياقات وروايات لغاية في نفس يعقوب..
في نماذج نستعرضها في هذا المقال، لا يتعلق الأمر بالنقل المتحيز للأخبار، أو بتر المعلومة من سياقها، بل يندرج ضمن تضليل مُمنهج يستهدف تشويه صورة الجزائر والتشويش عليها، في ملفات إقليمية ودولية، ومحاولات خلق “فتنة” بين شعوب عربية بمواد مضللة تُقدم في قوالب وسياقات معينة، تخدم أجندة من يفبركونها.
في الموضوع، نرصد نموذجين يمثلان “تكتيكا” يمارسه موقع “هيسبريس” المغربي، يرتكز على صناعة تضليل ونسب تصريحات لشخصيات سياسية ونواب برلمانيين لم يُدلوا بها أصلا، مثلما حدث مع النائب البرلماني لحركة البناء الوطني عبد القادر بريش، أو صناعة شخصيات وهمية مثل ترويج ادعاء نسب إلى نائب برلماني عن حزب جبهة التحرير الوطني، لا وجود له، تحت اسم “عبد القادر بن زيدان.”
فبركة الرواية والمصدر..
في النموذج التضليلي الأول، يزعم موقع “هيسبريس”، في منشور بصفحة “فايسبوك” نشر قبل أسابيع، أن النائب عبد القادر بريش، صرح في برنامج لقناة الشروق بأن “وزير الخارجية أحمد عطاف مطالب بالتوجه إلى أنقرة من أجل طلب وساطة لدى السلطات السورية للإفراج عن جنود جزائريين محتجزين منذ شهور لدى الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع.”
وجاء في محتوى المنشور المفبرك “يأتي هذا التصريح بعد فشل عطاف، خلال زيارته إلى دمشق في فبراير 2025، في إقناع الشرع بالإفراج عن المعنيين، إذ رفض الأخير الطلب، مبررا ذلك بخضوع المعتقلين، منهم عناصر تنتمى إلى جبهة البوليساريو للمحاكمة وفق القوانين السورية”.
غير أن النائب بريش نفى بحسابه بـ”فايسبوك”، الإدلاء بأي تصريح مماثل لأي وسيلة إعلامية، وهو ما تحققنا منه بالبحث في برامج القناة وبمحركات البحث ومنصات التواصل الاجتماعي.
وفور نشر “هيسبريس” التصريح المفبرك، كتب النائب بريش بصفحته الرسمية “فايسبوك”:” خبر كاذب أتبرئ منه، لم أشارك في أي برنامج، ولم أصرح لأي وسيلة إعلامية ولا موقع الكتروني بخصوص ما نشر ونُسب إلي زورا وبهتانا. ”
في النموذج الثاني، ينسبُ الموقع المغربي ذاته تصريحات إلى نائب برلماني “عبد القادر بن زيدان”، يزعم أنه أدلى بها في قناة “الشروق”، وهاجم فيها الموقف المصري من قضية الصحراء الغربية.
ببحث بسيط في تركيبة أعضاء المجلس الشعبي الوطني بموقع المجلس، يتضح أنه لا وجود لنائب بهذا الاسم، ولا يوجد أيضا أي تصريح مماثل أو مقابلة على قناة “الشروق” أو أي منصة جزائرية أخرى، مثلما يدعي الموقع المغربي.
تتضح صورة تضليل ممنهج، في هذين النموذجين، قائم على المصدر والرواية المفبركتين، من خلال إسناد تصريحات أو مواقف إلى شخصيات غير موجودة أو لم تصرح إطلاقا.
في تحليل هذين النموذجين من التضليل، يقول الباحث الأكاديمي وأستاذ الإعلام بجامعة الجزائر 01، خالد لرارة في تصريح لـ “الشعب أونلاين”، أن “اختلاق” أسماء وتصريحات وهمية، ممارسات تستخدم لخداع تفكير المستخدمين في استهلاك المحتوى المضلل، بحيث يعمد صناع التضليل إلى بناء مصداقية زائفة.
تضليل ممنهج
يُبرز لرارة أنه من المهم رصد نماذج ما يصفه بتضليل سياسي ممنهج، ليس من زاوية تصحيح مادة مضللة، بقدر ما يتعلق الأمر بتفكيك وفهم آليات التضليل والسياق الذي يوظف فيه، قصد الوصول إلى فهم أعمق لما يحاك من ممارسات ممنهجة تستهدف “عقول” المستخدمين، أحيانا تكون بسيناريوهات مفضوحة.
ويواصل بقوله: “عندما نربط تصريحا وهميا بشخصية سياسية لا وجود لها، مثل نائب عن حزب معين، هناك من يقع في الفخ، خاصة إذا لم يدرك السياق والخلفية المتعلقة بالموضوع والجهة الناقلة للمحتوى وسوابقها..”
وقصد خداع الجمهور، تُنسب أخبار كاذبة مماثلة إلى مصادر وجهات إعلامية لها انتشارا واسعا ومصداقية وسط الجمهور المستهدف، مثل استخدام قناة “الشروق” في النموذجين المذكورين، مثلما يقول لرارة.
يُشير متحدث “الشعب أونلاين” إلى أن هذه الممارسات تنتهج أسلوب فبركة وقائع واختلاق شخصيات وهمية وتزييف سياقات وروايات بأكملها، في ملفات تتعدى الداخل الجزائري.
ويضيف:” الواضح أن الهدف من الوراء هذا التضليل التشويش على صورة الجزائر، وزرع فتن ونعرات بين شعوب عربية، وهو ما يمكن أن نلحظه في التعليقات التي ترافق هذه النماذج، وفي حسابات ومجموعات وصفحات تعقيبا على ذلك.”
ويختم بقوله:” المخابر وراء صناعة التضليل تستغل بيئة منصات التواصل الاجتماعي لإثارة نقاشات وهمية تجاه قضايا بعينها، والتأثير على الرأي العام والتشويش عليه في تبني قرارات أو صرف نظره عن قضايا.. وهذا لم يعد خافيا.”