ساهم المحافظ السياسي في دعم وحدات جيش التحرير الوطني، وانتصارهم على جيش الإستعمار الفرنسي، بفضل دوره التعبوي في ربط الشعب بالثورة وتوعيته لخدمة أهدافها.
تؤكد مصادر تاريخية، أن المحافظ السياسي كان بمثابة همزة وصل بين المجاهدين والقيادة الثورية، وكانوا يأخذون زمام المبادرة في الشؤون العسكرية من أجل تكييف وضعها مع متطلبات الكفاح الوطني ومصالح الثورة الجزائرية، ومساهمته في إحباط مخططات العدو ضد الثورة.
في هذا الصدد، يشير الباحثان عائشة سبيحي ومحفوظ تاونزة، في دراسة لهما بعنوان “دور المحافظ السياسي في تفعيل العمل العسكري لثورة التحرير 1956-1962″، نشرت بالمجلة التاريخية الجزائرية في 2023، أن وظيفة المحافظ السياسي انبثقت عن مؤتمر الصومام في إطار هيكلة مختلف التنظيمات السياسية والإدارية للثورة وتعميمها، حيث رسمت مهامه في اطار التعبئة الشعبية وضمان إلتفاف الجماهير حول العمل الثوري.
وتضيف الدراسة، أن للمحافظ السياسي مساهمات فاعلة من خلال التربية السياسية في أوساط جيش التحرير الوطني، والعمل الإستخباراتي والإشراف على التجنيد، ما انعكس إيجابا على الأداء العسكري للمجاهدين ومنح دفعا قويا لثورة التحرير.
ومن مهامه تنظيم الشعب وإرشاده، الدعاية والأخبار، الحرب المعنوية، المالية والتموين، وتقديم أراء في جميع برامج النشاط العسكري لجيش التحرير الوطني. وكان يلقب في الوثائق الرسمية لقيادة الثورة برمز CP، اختصارا لمصطلح المحافظ السياسي باللغة الفرنسية، وهي التسمية التي أصبحت متداولة بين المناضلين، حسب المصدر ذاته.
وتذكر الدراسة شهادة للمجاهد والمحافظ السياسي محمد مرتاض، بإن قادة الثورة فكروا في وظيفة المحافظ السياسي تزامنا مع اندلاع الثورة، لكن نشاطه اقتصر على مناطق محدودة من التراب الوطني، بالتحديد المنطقة التاريخية الثالثة –منطقة القبائل-، ولم يكن محدد الصلاحيات والأهداف.
وحسب شهادة المجاهد مرتاض، فإن مهام المحافظ السياسي توسعت. ففي الجانب السياسي والعسكري أوكلت إليهم مهام التربية السياسية والإعلام والدعاية والإسهام في العمل الإستخباراتي والعسكري، ومن مهامهم الإدارية تنظيم الأحوال المدنية والتكفل بشؤونه القضائية، كما تكفلوا بالجانب الاقتصادي للثورة فيما يتعلق بالإشراف على شراء ونقل وتخزين المواد الغذائية وغيرها من المؤن، وتوزيعها على المجاهدين وفق احتياجاتهم.
وأيضا التعليم والجانب الصحي والتكفل بعائلات الأسرى والمجاهدين وضحايا القمع الإستعماري.
في هذا الشأن يقول الرائد عز الدين:” كانت شؤون التموين ضمن مسؤوليات المحافظ السياسي، فبمجرد وصولنا إلى القرية كان يتولى توفير احتياجاتنا في كل ما يتعلق بتغذيتنا من دقيق وسميد وحليب بودرة ولحم طازج، إضافة إلى العتاد والتجهيزات المختلفة، فكان عليه تزويدنا بالأقلام والدفاتر والأحذية وكل ما تحتاجه وحدة عسكرية مقاتلة”.
ويوضح المجاهد مصطفى شرشالي، في مقابلة شخصية مع الباحث بجامعة خميس مليانة، أن اختيار مهمة المحافظ السياسي، كان على أساس معايير وهي السمعة الطيبة بين السكان والتاريخ النضالي والمستوى التعليمي (إتقان الكتابة على الأقل)، والشجاعة والإخلاص والحكمة والدهاء.
ويشكل المحافظ السياسي أحد جنود جيش التحرير الوطني، يشارك في العمليات العسكرية في كثير من الأحيان، يقاتل جنود العدو عند مصادفتهم ويسند جيش التحرير في معاركه ويصفي الخونة .
وكان المحافظ السياسي يعقد اجتماعا داخل الكتائب يتناول من خلالها المسائل الثورية والوطنية ويوضح اهداف نضالهم من اجل تحرير الجزائر، وما سينجر عنه من تغير حياة الجزائريين نحو الأفضل في كنف السيادة والإزدهار واستعادة الأرض والحصول على العمل، ويدعوهم إلى مواصلة النضال، وغرس روح الثورة والمبادئ الإسلامية، وهذا لإبطال مفعول الحرب النفسية الإستعمارية، التي سعت لتحطيم معنويات المجاهدين وزعزعة ثقتهم بالثورة وقادتها، يقول الباحث تاونزة.
في هذا الصدد، يقول المجاهد عبد الحفيظ أمقران: “كنت مكلفا بالتوعية الثورية والحفاظ على الأخلاق الإسلامية وسط المجاهدين”.
تجنيد شباب لصالح الثورة
وتشير مصادر المنظمة الوطنية للمجاهدين، أن المحافظ السياسي عمل على تجنيد الطاقات الشعبية لصالح العمل الثوري، حيث كان يلجأ للإتصال بالمواطنين ويدعوهم إلى الإنخراط في صفوف جيش التحرير، كونه دائم الاتصال بالشعب وعلى دراية بالأشخاص المؤهلين لذلك.
فكان يحرص على تجنيد عناصر تمثل كل الدواوير والمستويات، وكان يخضع الشباب الراغب في الإلتحاق بالثورة لفترة امتحان ومراقبة للتأكد من صدق نواياه ووفائه خوفا من تجنيد العدو للخونة وزرعهم في صفوف الثورة، وكان يشترط القيام بعملية فدائية ضد المستعمر للحصول على جواز مرور للتجنيد في صفوف جيش التحرير الوطني، ويتولى مهام الإشراف على العمليات الفدائية وتنظيمها، حيث كان يقدم للفدائي كل النصائح والتوجيهات لضمان نجاح العملية.
وفي شهادة للمجاهد المرحوم جودي أتومي، في مذكراته حول الثورة في الولاية الثالثة التاريخية، يقول أنه “من مهام المحافظ السياسي أيضا هو تشكيل خلايا سرية وبثها داخل صفوف الشعب والكتائب العسكرية للثورة، بغية تزويده بالمعلومات اللازمة حول موقف السكان من الثورة ومعنويات المجاهدين، وزرع عيون في مراكز العدو وحوله وبالقرب من مكاتب “لاصاص”، لجمع المعلومات وإعداد تقارير بشأن عتاد العدو وعدته وتحركاته ومسالكه من جهة أخرى.”
أدركت الإدارة الإستعمارية خطورة المحافظ السياسي، واعتبرته العدو الأول، وسعت بشتى الطرق لإلقاء القبض عليه لأنه يملك أسرار الثورة، وحاولت تقديم اغراءات مادية، لكنها فشلت، حسب شهادة بعض المجاهدين.
