يُتوقع أن يؤدي المستثمرون الجزائريون بالخارج دورًا تنمويًا بارزًا، خاصة في ظل التحوّل الاقتصادي التاريخي الذي تشهده الجزائر، والذي يأتي بفضل الرؤية الاستشرافية والتوجيهات الحكيمة لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، يعكسه انفتاح أفراد الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج على المنظومة الاقتصادية الوطنية، مدفوعًا بالمزايا الاستثمارية والآفاق التنموية الواعدة، بعدما اكتسبوا حماسا وإرادة قوّية للمساهمة بفاعلية في المعركة التنموية، عبر إنشاء مشاريع منتجة للثروة ونقل التكنولوجيا.
يقود الرئيس تبون الدبلوماسية الاقتصادية بفاعلية كبيرة، فهو يحرص خلال زياراته الرسمية بالخارج على عقد لقاءات مع أفراد الجالية الجزائرية. تهدف إلى الاستماع إلى انشغالاتهم واقتراحاتهم، وتقريب شباب المهجر من وطنهم الأم.
وكخطوة أولى في تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية، أصدر الرئيس قرارًا بتعيين مستشارين متخصصين في الشؤون الاقتصادية عبر القنصليات والسفارات الجزائرية في مختلف دول العالم. تتركز مهمتهم على تشجيع التصدير، وذلك ضمن الاستراتيجية الوطنية لتعزيز الاقتصاد ودعم وتشجيع الصادرات. وقد شدّد الرئيس – في مناسبات عديدة – على ضرورة تحسين العمل الدبلوماسي والقنصلي، خاصّة فيما يتعلق بالتفاعل مع أبناء الجالية الجزائرية
إرساء قواعد تواصل متينة
شدّد المتعامل الاقتصادي بسويسرا، والأمين العام السابق لدى الغرفة الاقتصادية السويسرية، رابح شيخ شيوخ، وهو مستثمر حاليا بالجزائر، على أهمية الاستثمار الحقيقي في الشباب الجزائري المقيم بالخارج، وتحديدًا الجيل الثالث من الجالية الجزائرية في المهجر. وأكد على ضرورة تقديم كافة التسهيلات وإرساء قواعد تواصل متينة بين هؤلاء الشباب والسلطات الجزائرية، بهدف تشجيعهم على الاستثمار في البلاد والمساهمة في بناء اقتصاد قوّي.
أبناء الجالية يتمتعون بمؤهلات عالية
وأوضح شيخ شيوخ في تصريح لـ “الشعب”، أن الاستثمار الأكبر اليوم يكمن في أبناء الجالية الوطنية بالمهجر، خاصةً الجيل الحالي من الشباب المغتربين، والذين وُلدوا غالبيتهم في الخارج. ودعا إلى تشجيع هؤلاء الشباب على الاستثمار من خلال استقطابهم، نظرًا لتمتعهم بمؤهلات علمية وخبرات عالية، لا سيما في المجالات التكنولوجيات الحديثة. كما شدّد على ضرورة تسهيل استفادتهم من المزايا التي اعتمدها رئيس الجمهورية
وسجل رابح شيخ شيوخ أنه يلاحظ اهتمامًا متزايدًا من الجيل الثالث من أبناء الجالية الجزائرية المقيمين في أوروبا، خاصةً في المنطقة الفرانكفونية (فرنسا، بلجيكا، سويسرا، وإيطاليا)، بالاستثمار في الجزائر. ودعا إلى تسهيل الإجراءات والتدابير لتشجيع هذا الجيل، المتشبع بالوطنية، على العودة والاستثمار في بلاده.
وأشار إلى أن بعض شباب الجالية قد استثمروا بالفعل في الجزائر من خلال فتح محلات، أو شراء عقارات سكنية، أو تأسيس شركات، وغالبًا ما يعتمدون على أفراد عائلاتهم بالجزائر لإدارة شؤونهم. وأضاف: “هناك جزائريون لا يعرفون الجزائر وليس لديهم أقارب، وقد لمست لديهم رغبة كبيرة في الاستثمار بالجزائر، بحكم احتكاكي بشباب المهجر ومع الفاعلين في هذا المجال”.
ويعتقد شيخ الشيوخ أن الجيل الثالث الجديد من أفراد الجالية في المهجر سيُقبل على الاستثمار في الجزائر خلال السنوات الثلاث المقبلة على الأكثر، وسيشكلون بذلك القاطرة للاستثمار الأجنبي في البلاد. ويرى أن الشباب قادر على الترويج للاستثمار بفعالية، لأنه يتمتع بثقافة جزائرية وأوروبية في آن واحد، كما أن أغلب الشباب يتمتعون بجنسية مزدوجة، ما يمنحهم ميزة فريدة في هذا المجال.
توطين التكنولوجيات الحديثة
ولدى سؤاله عن أهم الاستثمارات التي يمكن لشباب الجالية الجزائرية جلبها إلى البلاد، أوضح شيخ شيوخ أن التكنولوجيات الجديدة والخدمات، خاصة تلك التي تتطلب تقنيات عالية، تتصدر هذه المجالات.
وعن الهدف من الاستثمار في الجزائر، بيّن المستثمر الجزائري بسويسرا أن الأمر لا يتعلق بتكوين ثروة بالدرجة الأولى، بل يهدف إلى تغيير نمط الحياة، والمساهمة في تطوير الجزائر، والعيش في كنف الحرية، بالإضافة إلى الإسهام في استقطاب اليد العاملة من أبناء الوطن.
الرهان على الجامعيين
من جهة أخرى، أكد محدثنا أن الجزائر تتمتع بميزة تنافسية فريدة تتمثل في الكفاءات الشابة من خريجي الجامعات والمدارس العليا. وشدّد على أن الشباب الجزائري يتميز بتكوين جيد، ويتفوق على خريجي الجامعات السويسرية، خاصة في مجال التكنولوجيات الحديثة.
وفي سياق متصل، أوضح شيخ شيوخ أنه يعمل حاليًا على مشروع تدريبي في القطاع المصرفي بالجزائر. يهدف إلى استقطاب خريجي الجامعات في المجال المالي، وتقديم تدريب لهم بمبلغ رمزي لا يتجاوز 12 ألف دينار جزائري شهريًا، وذلك بهدف نقل التجربة الأوروبية إلى الجزائر.
تحفيز تحويلات الجالية
ويقترح شيخ شيوخ إلى فتح مكاتب استشارية في الخارج، بترخيص من الدولة، لاستقطاب الاستثمارات الجزائرية والأجنبية، لتكون متاحة لكل من لديه الرغبة والمعرفة بالمعطيات الاقتصادية في الجزائر، وستعمل بالتنسيق مع القنصليات الجزائرية المنتشرة في الخارج لاستقبال المؤسسات، سواء كانت جزائرية أو أجنبية.
وفيما يتعلق بالتحويلات المالية التي يرسلها أفراد الجالية الجزائرية في الخارج إلى بلادهم، وخاصة مع اقتراب موسم الاصطياف، قدر شيخ شيوخ أنها قد تتجاوز 1.2 مليار يورو سنويًا، باحتساب مليون مغترب يزور البلاد كل عام. وأشار إلى أن هذا الرقم قد يتعدى ذلك، خاصة وأن المغتربين يتجهون حاليًا نحو شراء المساكن والعقارات، مما يجعل هذه التحويلات قيمة مضافة للخزينة العمومية. ما يعني أن الجالية الجزائرية بالمهجر تدعم الاقتصاد الوطني بطريقة غير مباشرة.
يوسف الواحد: قطب اقتصادي للاستثمار بالجزائر
من جانبه، أعلن يوسف الواحد، رئيس جمعية “لادجازبورا”، عن تأسيس هذه المنظمة غير الربحية في عام 2024. وأوضح الواحد أن الجمعية انطلقت من رغبة صادقة في “جمع شمل الجالية الجزائرية في إطار من الأخوة، والتضامن، والتبادل”.
وفي تصريح لـ«الشعب”، أشار الواحد إلى أن المبادرة يقودها مجموعة من المواطنين الجزائريين “الحريصين على الحفاظ على الروابط الثقافية والهوياتية التي توحد الجزائريين بالمهجر”. وأكد أن الهدف الأساسي لـ«لادجازبورا” هو توحيد الجالية الجزائرية من خلال تنظيم فعاليات متنوعة تشمل الجوانب الاحتفالية، والثقافية، والرياضية، والتذكارية.
وتهدف الجمعية – يقول محدثنا – إلى تعزيز ثراء التراث الجزائري وبناء جسور بين الأجيال، وكذلك مع المجتمعات المضيفة. ولتحقيق ذلك، تخطط “لادجازبورا” لتنظيم مبادرات مثل الإفطارات الجماعية خلال شهر رمضان، البطولات الرياضية، الاحتفالات الوطنية، بالإضافة إلى تنظيم لقاءات مع شخصيات جزائرية بارزة من أبناء الجالية.
يؤكد يوسف الواحد أن الجمعية تسعى لأن تصبح جسرًا اقتصاديًا حيويًا يربط الجالية الجزائرية في الخارج بوطنهم الأم، في خطوة توسعية تتجاوز الأنشطة الثقافية والاجتماعية.
في السياق، كشف يوسف الواحد أن جمعيته ستنظم لقاء كبيرا في 22 جوان الجاري ببروكسل، يجمع حوالي ألف شخص من أبناء الجالية الجزائرية المقيمين بالخارج. ويخصّص لمناقشة فرص الاستثمار بالجزائر، وسيتم تعريف الجالية بالفرص الاستثمارية المتاحة في الجزائر، في قطاعات حيوية مثل العقار، الزراعة، السياحة، الصناعة، والشركات الناشئة. وسيتم ذلك من خلال تنظيم لقاءات مع فاعلين اقتصاديين ومؤسسات ورجال أعمال جزائريين لتسهيل إقامة الشراكات.
كما ستُخصص هذه الأيام لشرح الإجراءات الإدارية والقانونية المتعلقة بالاستثمار عبر ورش عمل، وندوات عبر الإنترنت، أو جلسات معلوماتية دورية. وتهدف الجمعية أيضًا إلى إنشاء شبكة دعم اقتصادي بين أفراد الجالية لتبادل الخبرات والنصائح وتقديم أفضل الممارسات.
وشدّد الواحد على إطلاق قطب اقتصادي ضمن تنظيم منتديات اقتصادية أو أيام إعلامية حول الاستثمار في الجزائر. سيتم ذلك بالتعاون مع خبراء، والقنصليات، وغرف التجارة، والبنوك الجزائرية والبلجيكية، بهدف رئيسي هو الترويج للاستثمار في البلاد.
