في خضم التطوّرات المتسارعة والتحالفات المشبوهة، وتصاعد وتيرة التهديدات الأمنية العابرة للحدود، تجد الجزائر نفسها أمام واقعٍ يفرض عليها استعداداً عالياً ويقظة دائمة لمجابهة الكم الهائل من التهديدات، خاصة في منطقة الساحل والصحراء. وأمام هذا الوضع، يبرز الجيش الوطني الشعبي حامياً لأمن البلاد واستقرارها وحدودها الشاسعة.
جرى، بحر الأسبوع المنصرم، تنظيم التمرين التكتيكي المركّب «الحصن المنيع 2025» في إقليم القطاع العملياتي لجنوب تندوف، وهو تمرين جسّد بحق الدور المنوط بالمؤسسة العسكرية، ويؤكّد من جديد أن الجزائر تمتلك من كفاءة الفرد، وقوة السلاح، وصلابة العزيمة، ما يؤهلها للتصدي لأي تهديد مهما كانت طبيعته أو مصدره. ويعكس هذا التمرين، فلسفة أمنية متكاملة تؤمن بأن الردع يبدأ من الجاهزية، وأن السيادة تُحمى بسواعد أبناء الوطن، لا بالتحالفات وبيع الذمم.
التمرين الذي نُفّذ بالقطاع العملياتي لجنوب تندوف، تحت إشراف الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، جاء ليؤكّد أهمية هذه المنطقة الحيوية في سياسة الدفاع الوطني، وهي منطقة استراتيجية حسّاسة تتوسّط مثلثاً حدودياً يمثّل بوابة أمام امتدادات محتملة لعدم الاستقرار القادم من الساحل والمملكة المغربية.
وأشار الخبير الأمني والاستراتيجي، الدكتور أحمد ميزاب إلى أن «الحصن المنيع 2025»، يُعدُّ محطةً أساسية لرفع الجاهزية القتالية لمختلف وحدات الجيش الوطني الشعبي المنتشرة بالجنوب الغربي، مشدّداً على أن هذا التمرين قد تميّز بمحاكاة سيناريوهات هجينة ومتعدّدة المحاور، تعكس طبيعة التهديدات في المنطقة.
وقال ميزاب لـ «الشعب»، إن هذا التمرين نفض غبار الصحراء في وجه أعداء الوطن والمتربّصين به، يعكس أيضاً تطوراً في العقيدة القتالية للجيش الوطني الشعبي، والتي باتت تُعامل الأمن الحدودي كجزء لا يتجزأ من الأمن القومي، «في تماهٍ مع متطلّبات المواجهة الحديثة التي تُدمج بين التهديدات التقليدية وحروب الجيل الجديد».
وتابع الخبير بالقول، إن التنسيق المحكم بين القوات البرية والجوية والدفاع الجوي عن الإقليم خلال هذا التمرين، يجسّد مبدأ «الردع في الموقع»، ويُظهِر قدرة الجيش الوطني الشعبي على التصدّي لأي تهديد قبل تحوّله إلى خطر فعلي.
ولَفَتَ المتحدث إلى أن «الحصن المنيع 2025» يكتسي بُعداً استراتيجيا وتقييمياً، كونه يأتي في إطار اختتام سنة التحضير القتالي 2024 – 2025، وهو بذلك يُمثّل فرصةً لتقييم مدى نجاعة البرامج التدريبية السنوية من حيث تنفيذ المهام، التنسيق بين الأركان، الجاهزية اللوجيستية والقيادية، ما يؤكّد على إرادة القيادة العليا في إرساء ثقافة التحضير القتالي كأساس لبناء جيش محترف وفعّال.
ويرى ميزاب، أن هذا التمرين يُعدُّ جزءًا من المسار المستمر لتحديث وتطوير مؤسسة الجيش الوطني الشعبي على جميع المستويات، من تكوين العنصر البشري، إلى تحديث العتاد وتكييف الجهد العملياتي مع طبيعة التهديدات المستقبلية، مضيفا: تمرين «الحصن المنيع 2025» ليس مجرّد اختبار ميداني، بل هو رسالة استراتيجية مفادها، أن الجزائر لا تكتفي بالتفاعل مع المخاطر والتهديدات الأمنية المحيطة بها، بل تتبادر وتستبق وتُخطّط في إطار تصوّر شامل للأمن القومي.
وفي حديثه عن دلالات التمرين في هذا الوقت والمكان، أوضح الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور أحمد ميزاب، أن «الحصن المنيع 2025» يبعث، من حيث توقيتُه، موقعه ومضامينه، برسالة واضحة مفادها، أن الجزائر لن تكون ساحة عبور للتهديدات أو منطقة فراغ أمني، بل دولة ذات سيادة تحميها عقيدة وطنية صارمة، وجيش وطني محترف ومستعد للاضطلاع بمهامه الدستورية في جميع الظروف. مجدّداً التأكيد على أن الحصن المنيع ليس إسماً أُطلق عبثاً على تمرين عسكري، بل تعبير وانعكاس واقعي عن فلسفةٍ أمنية تُجسّد الإرادة الوطنية في حماية الأرض والسيادة والاستقرار.