بعد 24 عاما من آخر جلسات نظمت بالجزائر في 2001، ( الأولى في 1990)، تحتضن الجزائر، اليوم، للمرة الثالثة، الاجتماعات السنوية للبنك الإسلامي للتنمية، لقاء يخوض في تفاصيله رئيس قطب الصيرفة الإسلامية بالقرض الشعبي الجزائري سفيان مزاري، في حوار لـ”الشعب”.
900 مليار دينار جزائري إجمالي ودائع البنوك الوطنية تمويل مشاريع البنى التحتية الأساسية ودعم برامج الحماية الاجتماعية
الشعب: هل لكم أن تحدثونا عن دور الجزائر في الاجتماعات السنوية للبنك الإسلامي للتنمية؟ ما أهمية استضافتها لهذا الحدث في هذا التوقيت الخاص من السياق الجيو- استراتيجي العالمي؟
سفيان مزاري: فعلا، اليوم نحن على موعد مع انطلاق الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية لعام 2025. وسيتميز الحدث بمشاركة وزراء المالية من 57 دولة عضوا، إلى جانب حضور ممثلين عن أبرز المؤسسات المالية الدولية، على غرار صندوق النقد الدولي، البنك العالمي، البنك الأوروبي وبنك التنمية الإفريقي..
بالنسبة لسؤالكم حول مدى استفادة الجزائر من عضويتها بالبنك الإسلامي للتنمية، أعيد ما ذكرته سالفا، وهو أن هذا الأخير هو بنك تنموي متعدد الأطراف، يعمل على دعم التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لشعوب الدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية بالدول غير الأعضاء، وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية، كما يعمل على بناء الشراكات بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني.. ويهدف أيضا إلى إضافة قيمة لاقتصاد ومجتمعات الدول النامية من خلال زيادة المهارات وتبادل المعرفة، وكذا التركيز على العلوم والتكنولوجيا والابتكار لإيجاد حلول لأضخم تحديات التنمية في العالم من خلال تعزيز الاتصال والتمويل والتركيز على أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
ويولي البنك أهمية كبيرة لمحاربة الفقر، عبر تمويل مشاريع البنى التحتية الأساسية، ودعم برامج الحماية الاجتماعية، خاصة في الدول التي تواجه تحديات اقتصادية بسبب التغيرات المناخية أو هشاشة اقتصادها، بالإضافة إلى دعم المشاريع الاجتماعية الصغيرة والتي تعد ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة.. من جهة أخرى، يشكل اللقاء سانحة لمناقشة المواضيع الراهنة، على غرار آليات التحول الأخضر، التحول الرقمي والبنى التحتية الرقمية، الأمن الغذائي والطاقوي، أوضاع التجارة الدولية وهو تماما ما يصبّ في صميم الإستراتيجية التنموية والاقتصادية التي أقرها رئيس الجمهورية لتكون بوصلة لتنويع الاقتصاد الوطني وتحريره من التبعية للمحروقات.
هل يمكن أن تعطونا فكرة عن برنامج الحدث وما سيتضمنه من فعاليات، خاصة وأنكم أحد المنسقين لإنجاحه، باعتباركم رئيس لجنة الصيرفة الإسلامية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية الجزائرية؟
أولا، أود أن أؤكد أن الجزائر من خلال احتضانها لهذا الحدث، تجدد التزامها بتعزيز التعاون جنوب- جنوب، إذ تتقاسم مع مجموعة البنك الإسلامي للتنمية رؤية مشتركة تقوم على مبدإ التضامن التنموي، لدعم البلدان الأعضاء الساعية إلى تحقيق نمو أكثر استدامة ومرونة. أما بالنسبة للبرنامج، سيتخلل هذا الحدث المهم منتدى القطاع الخاص لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، وموائد مستديرة رفيعة المستوى وفعاليات جانبية متخصصة وجلسات لتبادل المعرفة.
وستتمحور المناقشات حول قضايا محورية، كتنويع الاقتصاد وتعزيز الصمود الاقتصادي ودعم الابتكار كمحرك أساسي للتنمية. ومن خلال البرنامج المسطر لهذه الفعالية، يمكن التكهن بأهميتها لبلادنا، باعتبارها فرصة لتعزيز مكانتها على الساحة الاقتصادية الدولية، من خلال إبراز الإصلاحات التي تم إطلاقها، والترويج لمؤهلات البلاد في مجالات التعاون والاستثمار والتنمية المستدامة، وهو ما تم الاتفاق عليه خلال اللقاء الذي جمع كلا من وزير المالية عبد الكريم بوالزرد ورئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية محمد سليمان الجاسر، بالجزائر العاصمة، في أفريل الماضي. وكان وزير المالية قد أكد على الالتزام التام للسلطات الجزائرية بضمان نجاح هذه الاجتماعات السنوية، من خلال التعبئة متعددة القطاعات، وتنسيق محكم وتنفيذ منظومة لوجستية تليق بحجم الحدث، ما يؤكد حرص الجزائر على جعل هذه الدورة فضاء للحوار البناء بين الدول الأعضاء ومنصة لإبراز كرم الضيافة الجزائرية وجودة بنيتها التحتية.
وإلى جانب الجلسات الحوارية والنقاشات رفيعة المستوى، ستخصص مساحة للمعارض وفرص التواصل، حيث سيتم استعراض المبادرات التنموية الناجحة والإنجازات المؤسسية التي تعكس التقدم الذي تحققه الدول الأعضاء، التي أمامها خلال هذه الفعاليات فرص واسعة لبحث سبل التعاون بين الدول الأعضاء وشركاء التنمية، من حكومات وقطاع خاص ومجتمع مدني.
كما يتضمن البرنامج منتديات نوعية، مثل منتدى القطاع الخاص، الموائد المستديرة وجلسات تبادل المعرفة التي ستركز على قضايا محورية تتمثل في تنويع الاقتصاد وتعزيز الصمود الاقتصادي ودعم الابتكار كمحرك أساسي للتنمية.
ستكون الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية بمثابة منصة حوارية رفيعة المستوى لتعزيز التعاون التنموي وتبادل الخبرات، ما مدى أهميتها؟
الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، تنعقد هذه السنة تحت شعار «تنويع الاقتصاد، إثراء للحياة»، ستكون منصة حوارية رفيعة المستوى لتعزيز التعاون التنموي وتبادل الخبرات، حيث سيجتمع خلالها مجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية، الذي يضم 57 دولة عضوا، وهو مكون من وزراء مالية الدول الأعضاء لمناقشة سبل تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة ومواجهة التحديات الاقتصادية المشتركة.
وكما صرحت سابقا، ستكون هذه الاجتماعات فرصة لتعزيز الشراكات وتقديم حلول مبتكرة لدفع عجلة التنمية المستدامة في الدول الأعضاء، كما أنها ستتيح لهم العمل جنبا إلى جنب لمواجهة التحديات الملحة واستشراف آفاق جديدة تخدم مجتمعاتها وتحقق التنمية المشتركة. وإلى جانب الجلسات الحوارية والنقاشات رفيعة المستوى، ستخصص مساحة للمعارض وفرص التواصل، حيث سيتم استعراض المبادرات التنموية الناجحة والإنجازات المؤسسية التي تعكس التقدم الذي تحققه الدول الأعضاء.
بالنسبة للحضور، نتوقع حوالي 100 متدخل و2000 مشارك وأزيد من 40 جلسة ولقاءات عمل ثنائية تخص عالم الريادة والأعمال، وهي فرصة فريدة لتوطيد الروابط بين الدول الأعضاء وتعزيز روح التعاون والابتكار وتجديد الالتزام المشترك بدفع مسيرة التنمية والازدهار للجميع.
هل لكم أن تطلعونا، بالمناسبة، عن تجربة الجزائر في هذا الصدد، وما تم تحقيقه من إيجابيات لصالح المنظومة المصرفية ببلادنا؟
الجزائر قطعت شوطا كبيرا في مجال الصيرفة الإسلامية، حيث بلغ إجمالي الودائع على مستوى البنوك الوطنية حوالي 900 مليار دينار جزائري، معظمها في شكل مدخرات استثمارية، وهو مؤشر قوي على الثقة المتزايدة التي يوليها المواطنون للمنتجات والخدمات البنكية المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية، والتي تقدم بدائل وحلولا مصرفية مبتكرة تلبي تطلعاتهم الاقتصادية والشرعية. حيث تم تخصيص ما قيمته 600 مليار دينار لتمويل مشاريع متنوعة، منها 70% للمؤسسات، في حين استفاد الأفراد من النسبة المتبقية على شكل قروض لتمويل اقتناء العقارات، السلع والأثاث.
وهنا أود الإشارة إلى أن نشاط الصيرفة الإسلامية في الجزائر يعرف تطورا مستمرا منذ سنة 2020، تاريخ صدور الإطار التنظيمي لهذا النشاط، حيث ارتفعت التعاملات بنسبة 25% خلال السنوات الخمس الأخيرة ما تحقق في ظرف أربع سنوات يعد إنجازا كبيرا يفوق ما أنجزته العديد من الدول الإسلامية التي سبقتنا في هذا المجال بفضل الدعم الواضح الذي توليه السلطات العمومية لتطوير هذا القطاع، من خلال تضمين قوانين المالية السنوية لجملة من الإجراءات التي تعزز من انتشار الصيرفة الإسلامية وتحدد نظامها الضريبي بشكل ملائم. كما بلغ عدد البنوك التي تسوق حاليا المنتجات الإسلامية 12 بنكا، منها بنكان يعملان حصريا وفق نظام الصيرفة الإسلامية، إلى جانب 10 بنوك أخرى توفر هذه الخدمات عبر نوافذ متخصصة ضمن 800 وكالة بنكية موزعة عبر مختلف مناطق الوطن.
ونتوقع إصدار الصكوك السيادية قريبا، بعد أن منح قانون المالية لسنة 2025 الضوء الأخضر للبنوك لإطلاق هذا النوع من الصكوك لتمويل المشاريع الاستثمارية، وهذه الخطوة تشكل قفزة نوعية نحو تعزيز مساهمة الصيرفة الإسلامية في تمويل مشاريع الدولة وتحفيز بيئة الاستثمار.