يصدر للدكتور محمد شوقي الزين، كتاب “التفلسف والتصوف: قصة تواشج”، قريبًا، وهو محاولة لاستكشاف العلاقة العميقة والمعقدة بين التفلسف كمسار عقلاني، والتصوف كتجربة روحية وجدانية. وبطرحه مفهوم “التواشج”، الذي يتجاوز حدود المقابلة التقليدية بين الفلسفة والتصوف، يعرض المؤلف رؤية منهجية تعيد تأطير هذا التداخل عبر منظور جديد يقوم على التحول من النظر العقلي إلى السلوك العملي، ومن المفهوم إلى المعيش.
كشف الدكتور محمد شوقي الزين عن قرب صدور كتابه الجديد “التفلسف والتصوف: قصة تواشج”، عن دار ابن النديم والروافد الثقافية ناشرون (وهران – الجزائر- بيروت – الشارقة).
يتطرق الكتاب، في 420 صفحة، إلى طبيعة العلاقة بين التفلسف والتصوف. ونجد مفردة تتكرر في هذا الكتاب، وهي مفردة “التبديل” أو “كياسموس” (chiasmus)، وهي إجراء بلاغي المراد به عكس مفردات الجملة عبر التقديم والتأخير، كقول العرب قديمًا: “عادات السادات، سادات العادات”.
يقول شوقي الزين: “إذا أسقطنا ذلك على الموضوع الذي يهمنا هنا ندرك مدى “تواشج” التفلسف والتصوف، ليس بحكم السلوك والنظرة فقط، بل وأيضًا بحكم الشواهد التاريخية التي أتت لتبين العلاقة الوطيدة بين الحدين أنعتها بعبارة “وجده عنده”، بأن يجد التفلسف نفسه في التصوف، ويجد التصوف نفسه في التفلسف بروابط ووشائج عمل هذا الكتاب على تبيانها على مدار الفصول الاثني عشر.”
ويواصل المؤلف: “لكن، لا يمكن تحقيق المطلوب في التواشج ما لم نغير طبيعة العلاقة بين الفلسفة والتفلسف، من النظر العقلي إلى السلوك العملي. لأن، في الواقع، ما يفصل الفلسفة عن التصوف هو جسيم، من حيث الفرق في الطبيعة وفي الوظيفة، بأن كانت الفلسفة دائمًا (وأبدًا) مسألة مدارس، ومذاهب، وأفكار، ومناهج، وأساليب عقلانية في النظر، والتحليل، والتعليل؛ بينما كان التصوف هو مسألة مشاهد قلبية ومساقط نورية وغيرها من العبارات التي تعج بها كتب التصوف، الذي يعتمد على “براديغما” تختلف تمامًا، وهي باراديغما الحياة الروحية التي يندر فيها العقل ويكاد يمحى أمام التجربة المعيشة الزاخرة بأشكال السلوك الوجداني.”
بالمقابل، يخلص شوقي الزين إلى أن تغيير الرؤية ومعها اللفظ، سينتج عنه تغير المعنى: “لنتحدث ليس عن “الفلسفة والتصوف”، نقيضان يكادان لا يجتمعان، بل عن “التفلسف والتصوف”، ونرى من ثم ما هذا “التفلسف” الذي نتحدث عنه، ولماذا يحقق مع التصوف هذا “التواشج” المنشود”، يقول المؤلف.
والكتاب من تقديم الدكتور مختار خماس، هذا الأخير قال إنه طالع مسودة كتاب “التفلسف والتصوف: قصة تواشج”، مذكّرا بأن “صاحب الكتاب ليس بحاجة إلى تعريف، فهو الفيلسوف الجزائري القدير الدكتور محمد شوقي الزين، صاحب التآليف العزيزة والترجمات الفريدة، وكتابه هذا كسائر أعماله يستفز القارئ المحب للمطالعة والبحث، ويدفعه لطرح الأسئلة والتفاعل مع محتواه وطروحاته العميقة، كيف لا وللمؤلف مصطلحاته ومفاهيمه الخاصة، والتي نحتها في سبيل خوض “أجمل مغامرة فلسفية معاصرة”. ويبدو منذ الوهلة الأولى أن استفزاز القارئ قد بدأ من عنوان الكتاب، كيف لا والتجربتان الفلسفية والصوفية على مدار التاريخ المعرفي الإنساني كانتا محط نظر وإشكال سواء داخل الدائرتين أو خارجهما.”
ويضيف خماس بأن القصة أصلًا لفظ ومصطلح يوحي إلى وجود كرونولوجيا ومحطات وحوادث وحبكة، ولا شك أن القص يومئ بالرجوع إلى التاريخ، وما التاريخ إلا محصلة لتجارب الشعوب، وعصارة أفكارها، وآلامها، وآمالها. “ولا يخفى أن قصة التواشج بين التفلسف والتصوف قد أضفى عليها صاحبها لمسة شخصية زادت من عمق أبعادها ومراميها، فنقلها من التواشج إلى التوشيج، موثقًا بذلك العروة بينهما. فلا شك أننا نجمع على أن استيعاب هذا الوجود وكشف حقيقة المطلق أو اللامتناهي هو الغاية القصوى من تبلور تجربتي التفلسف والتصوف، وإن كان العديد منا يختلف حول الأدوات المعرفية والمنهجية لإدراك تلك الحقيقة”، يؤكد خماس في تقديمه للكتاب.