لعب الطلبة الجزائريون دورا بارزا إبان الثورة التحريرية المجيدة، من خلال تزويدها بإطارات أثبتت قدرتها على النضال السياسي والكفاح المسلح والمساهمة الفعالة في معركة استرجاع السيادة الوطنية.
أوضح أستاذ التاريخ بجامعة “الشهيد حمة لخضر” بولاية الوادي، لزهر بديدة، أن إسهام الطلبة في معركة استرجاع السيادة والحرية كان من خلال “قوافل متتالية عبر مختلف المراحل، بعدما انخرطوا في مسار الكفاح وتعرضوا بذلك للاعتقال والسجن والنفي والتضييق ومصادرة أملاكهم وأرزاقهم”.
وأضاف ذات الأستاذ الجامعي أن الطلبة “تواجدوا في مختلف تيارات الحركة الوطنية فكانوا خزانها و واضعي مرجعياتها”، مشيرا إلى دورهم في صفوف حزب الشعب خلال مرحلة السرية 1939-1945، من بينهم بن يوسف بن خدة، محمد لمين دباغين و أمحمد يزيد، علاوة على دورهم في “إعادة بعث الحزب بعد نهاية الحرب العالمية الثانية و مساهمتهم في تأطير مظاهرات الثامن ماي 1945 “.
وأبرز الأستاذ بديدة أن مسار الحركة الطلابية في النضال الوطني يتجلى في “الجمعيات التي أسسوها والتي طبعت بنشاطها وفعاليتها النصف الأول من القرن 20، ليتوجوا ذلك بالتحاقهم بالثورة التحريرية مباشرة مع اندلاعها”، مستشهدا بالشهيد ابراهيم (بلقاسم) زدور الذي ارتقى شهيدا أياما بعد اندلاع الثورة التحريرية.
وتابع المتحدث أنه “من أجل استكمال هذا المسار وقبل أن تبلغ الثورة عامها الأول وبالتحديد في يوليو 1955 وبأمر من الثورة، تأسس الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، الذي شكل أحد أهم أذرع الثورة في الداخل والخارج وشارك في كل هيئاتها ومؤسساتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية والإدارية والصحية والثقافية والاعلامية”.
ولم تقتصر جهود هذه النخب في العمل على مستوى الداخل، بل كانت لها مساهمات خارجيا، حيث أرسل قادة الثورة العديد من الطلبة للتكوين في المدارس العسكرية بعدد من البلدان الشقيقة والصديقة المساندة للثورة، ناهيك عن تواجد الطلبة في الجهاز الإداري والإعلامي لجبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة بعد ذلك، فضلا عن البعثات الدبلوماسية للثورة في البلاد العربية وآسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية.
وأضاف الاستاذ الجامعي، في ذات السياق، أن انخراط الطلبة في مسيرة الثورة تجلى “من خلال مشاركتهم في العديد من الملتقيات والندوات الدولية والاقليمية، حيث عملوا على التعريف بعدالة القضية الجزائرية وحق الجزائريين في تقرير مصيرهم”.
التحاق الطلبة بالثورة..
بدوره، تطرق الباحث في التاريخ، علال بيتور، الى التحاق الطلبة بالثورة حيث أشار إلى أن انضمامهم كان في البداية بشكل فردي كغيرهم من الجزائريين، إلى غاية التحاق طلبة الجامعة والثانويات والمعاهد الفرنسية بشكل جماعي عقب الإضراب المنظم من قبل الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في 19 مايو 1956.
وركز الباحث على قوة مساهمتهم في الثورة التحريرية، خاصة في مجال الطب والإدارة، مشيرا إلى أنهم “دعموا الجانب الصحي في الثورة كأطباء ثم مسؤولين على مستشفيات الثورة، وتكوين المساعدين (الممرضين)”، مستذكرا الدكتور تومي ولمين خان وسي حسان الخطيب والدكتور يحي فارس ونفيسة حمود والدكتور بن زرجب وغيرهم.
كما لعبوا دورا هاما في تنظيم إدارة الثورة، ثم تأطير قطاع الاتصالات اللاسلكية، حيث أرسل بعضهم إلى خارج الوطن بقرار من القيادة لتحضير الإطارات لما بعد استرجاع السيادة الوطنية.
من جهته، سلط أستاذ التاريخ بجامعة المدية، مولود قرين، الضوء على الإضراب التاريخي للطلبة في 19 مايو 1956، والذي “جاء كنتيجة حتمية لما شهدته الثورة من تطورات على جميع الأصعدة، خاصة في المجال السياسي والدبلوماسي، أين كانت في حاجة ماسة إلى إطارات مثقفة تقدم إضافة للثورة” وهو ما دفع جبهة التحرير الوطني إلى “دعوة الطلبة إلى الإضراب والالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني”.
وأكد الأستاذ قرين أن التحاق هذه الفئة أعطى للثورة “دفعا قويا” سواء على المستوى العسكري أو السياسي أو الدبلوماسي، فكان انضمامهم للثورة “محطة ومنعرجا مهما” في مسيرة الثورة التحريرية فضلا عن مساهمتها لاحقا في إعادة بناء الجزائر بعد الاستقلال