أبحرت مدينة الأغواط، على مدار 04 أيام، في أزمنة مشرقة من الحضارة الإسلامية، وغاصت في عوالم التصوف من زوايا مختلفة، أوجدت جسور تواصل بين مشاركين من 04 قارات، في المهرجان الثقافي الدولي للسماع الصوفي.
تجمع التظاهرة السنوية، التي جرت طبعتها الـ 11 هذه السنة من 13 إلى 16 ماي المنقضي بمشاركة وفود من 22 دولة، بين جوانب روحية وثقافية وسياحية واجتماعية، وتحول مدينة الأغواط إلى ملتقى ثقافات وتجارب تستحضر فيها قيم إنسانية في عالم التصوف كمنهج حياة.
يُتيح المهرجان، في هذه الطبعة تحت شعار “إرث الماضي ونحن الحاضر والمستقبل”، فرصا لتعزيز قيم الحوار والتسامح، ويُسهم الحدث -مثلما وقفنا عليه في افتتاح الطبعة- في تنشيط الحركة الثقافية وإحياء تقاليد محلية مرتبطة بمدراس تصوف عريقة.
في جانب آخر، المهرجان فرصة حقيقية للترويج لصورة الجزائر كوجهة سياحية لدى الزوار الأجانب، المتوافدين على المدنية طيلة أيام التظاهرة، واكتشاف ما تزخر به من ثقافة وتقاليد وقيم حضارية.
ويُسلط الحدث الضوء على التراث الروحي والثقافي والسياحي للأغواط، ويستقطب حشودا ومشاركة متنوعة (محلية وأجنبية) منذ لحظات افتتاحه الأولى.
وككل طبعة، تقدم الوفود المشاركة استعراضات في مشاهد تجسد أبعاد روحية للسماع الصوفي، إلى جانب ندوات فكرية وعلمية وأنشطة وزيارات مثل زاوية عين ماضي مقر الخلافة العامة للزاوية التيجانية.
وتتناول الندوات والملتقيات الفكرية المنظمة أيام المهرجان جوانب تاريخية وإسهامات شخصيات صوفية مؤثرة تردد صداها عبر أفريقيا والعالم.
في هذا الشأن، يتحدث الصحفي بإذاعة الأغواط الجهوية، ياسين رهيوي، في تصريح لـ”الشعب أونلاين”، عن أبعاد وغايات كثيرة تلتقي في هذه الفعالية السنوية. يقول إن للمهرجان جاذبية واسعة عبر العالم، بدليل ما تتلقاه محافظة المهرجان من طلبات مشاركة “استقرت هذه الطبعة على مشاركة 22 وفدا من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك أمريكا وكندا ودول أخرى، إضافة إلى تمثيل من فرق محلية من مختلف الولايات.”
ويُشير رهيوي إلى رمزية ما حملته هذه الدورة تحت اسم الولي الصالح سيدي أبي مدين الغوث، وهو تقليد يكرس شخصية صوفية بارزة في كل دورة، وقال في هذا الشأن: “للأغواط تاريخ طويل في استضافة هذا المهرجان، وهو يشكل دائما نقطة جذب رئيسية.”.
وشدد المصدر على أن أهمية الحدث يتجاوز مجرد الترفيه، بقوله “يتعمق هذا المهرجان في أبعاد متعددة روحية وثقافية، سياحية واجتماعية.. ويهدف إلى التعريف بالصوفية والترويج لها، ليس فقط من خلال عروض المدائح والأذكار، ولكن أيضا من خلال التفاعل الفكري.”
وأضاف المتحدث قوله: “تسعى ولاية الأغواط باستمرار إلى الترويج لمعالمها السياحية ومواقعها الأثرية وتراثها الثقافي المادي وغير المادي.. منها الزاوية التيجانية في عين ماضي، وهو مركز روحي رئيسي له ملايين الأتباع في جميع أنحاء أفريقيا والعالم.” وأضاف “المهرجان متجذر بعمق في وعي سكان المنطقة، وهذا ما يفسر الإقبال الكبير من العائلات، الذين يفرحون بعودة التظاهرة كل سنة.”
ومن أبرز جوانب التظاهرة الصوفية تنظيم ندوات فكرية وعلمية يشارك فيها أساتذة وباحثون من داخل الجزائر وخارجها، تتناول التصوف من جوانبه الروحية والتاريخية والإجتماعية، إضافة إلى إقامة معارض للكتاب، المخطوطات، واللباس التقليدي الصوفي.
وحملت الطبعة الـ 11 اسم سيدي أبي مدين شعيب الغوث، أحد أعلام التصوف في الجزائر والعالم الإسلامي، وهو أبو مدين شعيب بن الحسين الأنصاري الأندلسي والمعروف باسم سيدي بومدين أو أبو مدين التلمساني ويلقب بـ”شيخ الشيوخ” (509 ه / 1115 ه).
وتعد الشخصية من مؤسسي أحد أهم مدارس التصوف في بلاد المغرب الكبير والأندلس، تعلم في إشبيلية وفاس وقضى أغلب حياته في بجاية.