تمتاز ولاية النعامة بتراث لامادي متنوع وزاخر، منه “الوعدة”، وهي فضاء مفتوح وإرث تاريخي، مهرجان شعبي يتكرر في بلديات الولاية مع حلول شهر أكتوبر من كل سنة..
الوعدة تراث أصيل عمره قرون، فهي مناسبة مميزة بمناطق الجنوب الغربي، في طياتها معاني عميقة عن التراث، الدين، الوطنية، الكرم، والتلاحم، ولعل أشهر هذه التظاهرات بولاية النعامة وعدة سيدي أحمد المجدوب التي تنظم منتصف شهر أكتوبر أو خلال الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الفلاحي، عند فلاحي وأهل البادية.
تدوم هذه التظاهرة من الثلاثاء إلى ليلة الجمعة إلى السبت، وهي أكبر تظاهرة ثقافية، إقتصادية، واجتماعية ببلدية عسلة ولاية النعامة. كل قبيلة أو عرش تنظم هذه الوعدة تبركا بوليها الصالح، ومن هذه الوعدات وعدة سيدي موسى بعين بن خليل، وعدة البكاكرة بالنعامة، وعدة الرزاينة وأولاد سرور بالبيوض، وعدة سيدي سياف بالفرطاسة بلدية الصفيصيفة، وعدة أولاد سيد التاج بقلعة الشيخ بوعمامة بلدية مغرار، وعدة سيدي بوتخيل بالعين الصفراء، وعدة سيدي بلال بالعين الصفراء، وعدة مولاي الطيب بكل من عين الصفراء والمشرية، وعدة السندان، وعدة مكمن بن عمار وغيرها من التظاهرات الأخرى .
اكبر تظاهرة ثقافية، إقتصادية، واجتماعية بولاية النعامة هي وعدة سيدي احمد المجدوب أو كما تعرف بوعدة “المجادبة”، تستقطب سنويا آلاف الزوار من كل أنحاء الجزائر، بل وحتى من العالم، أصبحت محل إهتمام العديد من وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية، ذلك أنها موعدٌ للصلح، الذكر والكرم، ظهرت إلى الوجود قبل سنة 1904 وكانت غير منتظمة، لكن ومن هذا التاريخ أصبحت تنظم كل سنة مع منتصف شهر أكتوبر، بعد ان أسس ابن سيدي احمد المجدوب، المدعو “التومي”، هيئة دينية لإحياء التقاليد الإسلامية، ومن بين الوصايا التي حث عليها قبل وفاته، التكافل الإجتماعي، والتواد بين الأشخاص، ومن هذه المعاني السامية جاءت هذه الوعدة لربط علاقات متينة بين العائلات والأفراد، وعلاقات إجتماعية مع القبائل المجاورة والحد من النزاعات، والاهتمام بالفقراء والمساكين..
ليلة الصلح
من بين الأهداف السامية للوعدة الصلح الذي يتم ليلة الخميس إلى الجمعة، حيث يلتقي كبار وشيوخ القبيلة لدراسة القضايا المستعصية، والعالقة، للفصل فيها بكل عدل وأحكام خاصة بقضايا النزاع على المياه، أو أراضي الرعي بين أبناء القبيلة، أو بينهم وبين قبائل أخرى، أو خلافات عائلية، كما أن هذه الوعدة موعد لالتقاء الأهل والأحباب من كل أنحاء البلاد، هناك أشخاص وأقارب لا يلتقون إلا خلال هذه الوعدة.
موعد مع الكرم.. والفن!
ما يميز الوعدة، خاصة وعدة سيدي احمد المجدوب بعسلة، هو الكرم والجود، فهي مناسبة تضامنية تُقام فيها الولائم وتوزع الوجبات، مع إيواء الضيوف، حيث ومنذ مساء الإثنين يتم نصب الخيم على حواف هذه البلدية الصغيرة الهادئة، ويتم إطعام الضيوف.
يستمتع الجميع بلوحات ثقافية وفنية، أهمها الفنتازيا والبارود.
وأهم ما يميز الوعدة المهرجان الثقافي، الفني والرياضي المفتوح في الهواء الطلق، فروسية وفنطازيا تعطي لهذه المناسبة نكهة خاصة على وقع صهيل الخيول ودوي البارود، بمشاركة قبائل المجادبة، لعمور، حميان (النعامة)، أولاد نهار (سيدي بلعباس)، سيدي يحي (تلمسان) وغيرها..
وتشارك في هذه التظاهرة، أحيانا، فرق من أدرار، غرداية، ورقلة، وولايات أخرى.
ولولاية النعامة تقاليد وطقوس مرجعية، منها اللباس الخاص بفرق الفنتازيا، أو العلفات، تتبارى، وتتباهى بما تملكه من خيول، وبنادق، ولباس، وسروج ذات أشكال وألوان. الوعدة بهذا الشكل تصبح فضاء مفتوحا للفلكلور الشعبي الأصيل خاصة رقصتي العلاوي والحيدوس التي تشتهر بهما المنطقة.
تجارة متنوعة
وتتميز الوعدة كذلك بتنظيم سوق شعبي كبير مدة ثلاثة أيام، تتم من خلاله مبادلات تجارية بين تجار المنطقة والوافدين من مختلف أنحاء البلاد، تعرض منتوجات تجارية محلية مثل الرمان والتمر، خاصة تمر”الفقوس” و”أغراس”، وصناعات تقليدية مثل الأواني المنزلية المصنوعة من الحلفاء، الافرشة، الزرابي، الجلابيب وغيرها.
وتنظم غرفة الصناعات التقليدية لولاية النعامة بهذه المناسبة، بالتنسيق مع مديرية السياحة وبمشاركة الديوان الوطني للسياحة، معرضا محليا، وجهويا، أو وطنيا للصناعات التقليدية.
وتختتم هذه التظاهرة بحلقة دائرية كبيرة مساء الجمعة تسمى “المعروف” حيث يتم خلالها قراءة فاتحة الكتاب والدعاء للبلاد والعباد ونزول الغيث ثم يفترق الجمع على أمل اللقاء في الموسم المقبل.
صور من فانتازيا الوعدة: