يتجه نشاط صناعة الخزف أو الـ”سيراميك”، نحو حجز مكانة هامة في صادرات الجزائر من مواد البناء، بعدما حققت الشعبة تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، كمّا ونوعا وبأسعار تنافسية، مقارنة مع منتجات دول رائدة مثل إسبانيا وايطاليا..
يُسجل نشاط صناعة الخزف المحلي صعودا ديناميكيا، من سنة إلى أخرى، مستفيدا من تدابير حكومية تشجع الإنتاج الجزائري لتغطية الطلب المحلي وكبح واردات البلاد، وهو ما تجسد في مادة تصنع بالجزائر 100 بالمائة، وفي فترة وجيزة.
يُمثل الصالون الدولي للبناء ومواد البناء والأشغال العمومية، “باتيماتيك 2025″، الجاري بقصر المعارض بالجزائر العاصمة، حدثا بارزا في قطاع الأشغال العمومية، حيث يغطي جميع فروع ومواد البناء والأشغال العمومية.
في هذه الطبعة الـ 27، توجد مؤسسات إنتاج الـ”سيراميك” بشكل لافت للانتباه بما توفره من تشكيلة مواد متنوعة تصنعها أنامل جزائرية تضاهي أجود أنواع الخزف المستورد، وهو ما وقفنا عليه في جولة استطلاعية بالصالون.
الخزف “يزاحم” الحديد والاسمنت
دفعت عوامل كثيرة المصنّعين المحليين للخزف نحو التنافس على حصص في أسواق أجنبية، منها وفرة المادة الأولية (العجينة) بنوعيها حمراء وبيضاء، إلى جانب الاعتماد على أحدث التقنيات التكنولوجية من التصميم إلى غاية إنتاج الوحدة النهائية.
“نوفا سيرام” عيّنة من مئات المؤسسات المصنعة للمنتجات الخزفية، تطرحُ في السوق تشكيلة كاملة.
يتحدث إطار بالقسم التجاري لـ”نوفا سيرام”، عيسى بن قرين، لـ”الشعب أونلاين”، عن المؤسسة في السوق المحلي والأجنبي، وواقع نشاط صناعة الخزف بالجزائر، الذي يعرف دينامكية تصاعدية في السنوات الأخيرة، إلى جانب التحول من تغطية الطلب المحلي إلى التصدير نحو دول كانت في الماضي القريب وجهة استيراد.

يقول بن قرين إن المؤسسة تستهدف فئة متوسطي ومنخفضي الدخل، بتوفير منتجات ذات نوعية وأسعار تنافسية، وهذا لا يمنع – بحسبه – طرح تشكيلة كاملة، سواء من الخزف الحائطي أو الأرضي وبمختلف المقاسات لفئات أخرى.
يُشير بن قرين إلى اتخاذ قرار وقف استيراد الـ”سيراميك”، قبل 04 سنوات، كان نقطة تحول كبيرة في نشاط المتعاملين المحليين، من حيث تطوير منتجات واعتماد أحدث التقنيات و”هو ما أوصلنا إلى مستوى ننافس منتجات أوروبية كما ونوعا وسعرا.”
ويضيف: ” لدينا 8 خطوط إنتاج تشتغل 24 / 24 ساعة، بمعدل إنتاج 30 ألف متر مربع في اليوم الواحد، أي 210 آلاف متر أسبوعيا.”، وهذه كمية انتاج معتبرة في نشاط الـ”سيراميك”.
هذا التحول، مكن مصنعي الخزف من رفع تحدي التصدير إلى دول كثيرة، مثل أوروبا وكندا ودول أفريقية وعربية، وتابع يقول: ” مؤسستنا صدرت إلى دول اليمن، موريتانيا، ليبيا.. بلغنا مستويات إنتاج نوعية مطلوبة في أسواق أجنبية.”
وعن جودة الخزف المحلي مقارنة بالخزف الايطالي والاسباني، يوضح بن قرين: “ما وصلنا إليه لم يأت من فراغ، نعتمد يد عاملة محلية مؤهلة.. يوجد مهنيون تكونوا في دول مثل إيطاليا وإسبانيا، والنتيجة ما نحن عليه اليوم في صناعة الخزف.” ويتابع: ” عندما نتحدث عن جودة الخزف المحلي، نشير إلى أن منتجات مؤسستنا مثلا حاصلة على شهادات مطابقة الجودة والنوعية، منها إيزو 10545.”
ويُبرز المتحدث أن تغطية الطلب المحلي بمنتوج جزائري وبكميات وفيرة، سمح أيضا بطرح أسعار جد معقولة، مقارنة مع سعر المواد المستوردة، ويعطي مثالا عن ذلك بسعر الخزف الاسباني، الذي كان يتراوح سعره بين 3000 الى 4000 دج، بينما لا يتراوح سعر نظيره المحلي بين 1000 إلى 1500 دج.
من الفوارق التي يصفها بـ “الطفيفة”، تلك المتعلقة بالمادة الأولية للعجينة (بيضاء وحمراء)، ويقول في هذا الجانب: ” حتى العجينة البيضاء توفر اليوم من قبل متعاملين محليين بأسعار منخفضة بنحو 50 بالمائة مقارنة بتلك المستوردة من دول رائدة..”
تقنيا اليوم، يعتمد المصنعون المحليون لخزف البناء على أحدث الطرق، منها القص بـ”الليزر” والمسح بأدوات تكنولوجية قبل تقديم المنتوج في شكله النهائي، وفق محدثنا.
مواد صديقة للبيئة..
تطور سوق مواد البناء بالجزائر، لم يقتصر فقط على الكم والنوع وتنافسية السعر، والتوجه نحو التصدير، مثلما وقفنا عليه في هذا الصالون، بل هناك توجه نحو الابتكار والتفكير في الجوانب البيئة والصحية، بتوفير منتجات ايكولوجية صديقة للبيئة.

من هذه المنتجات، تلك التي تعرضها المؤسسة الناشئة “شركة المتكاملة لصناعة الحجر البيئي”، الحاصلة على براءة اختراع في إطار شراكة جزائرية – أردنية، تصنع أحجارا صديقة للبيئة، عكس ما يُخلفه الحجر الطبيعي من أضرار ايكولوجية أثناء مراحل إنتاجه، بحسب نسيم علوي مسؤول تجاري في المؤسسة.
تأسست هذه الشركة سنة 2006 بالأردن، وصدرت منتجات الى دول خليجية وأوروبية، وفتحت فرعا لها بالجزائر قبل ثلاث سنوات، في إطار شراكة جزائرية-أردنية بمواد محلية 100 بالمائة، وفق المتحدث.
ويأخذ الحجر الايكولوجي أو الحجر الاصطناعي، شكل وجمالية الحجر الطبيعي، وهو عبارة عن خليط من رمل، حصى، إسمنت خاص ومواد أخرى مضافة.
تستعمل هذه الأحجار، الحائزة على شهادات مخبرية ومصنعة بمواد أولية 100 بالمائة محلية، للتزيين داخل المنازل وخارجها (كرنيش، زخارف وديكور)، وتطرح الشركة في السوق المحلي 1200 نموذجا، بأسعار تتراوح بين 1500 و2300 دج،
عن الصالون..
يشارك في طبعة 2025 عددٌ هام من العارضين، منهم شركات عمومية وخاصة، إلى جانب مؤسسات أجنبية تمثل حوالي 15 دولة، منها الصين، تركيا، ايطاليا، البرتغال وإسبانيا، في مساحة عرض تفوق 40 ألف متر مربع.
وتعول السلطات العمومية على شعبة الخزف لرفع قيمة صادرات البلاد في مواد البناء إلى أكثر من مليار دولار سنة.
وإلى جانب مادتي الحديد والاسمنت، يُنتظر أن تُسجل صادرات الخزف نموا متزايدا، وتتصدر قائمة مواد البناء، مثلما أكده وزير السكن والعمران والمدينة محمد طارق بلعريبي أثناء افتتاح صالون “باتيماتيك”، الإثنين المنقضي.
وكشف الوزير عن تنظيم لقاء مع منتجي الشعبة، قريبا، لضبط خارطة طريق تعزز نمو النشاط، وقال: نعمل على جعل هذه الشعبة في المراتب الأولى في صادرات مواد البناء نهاية 2025.”