يلعب الإعلام دورا رياديا في تطوير وتنمية فكر المجتمع وتوجيه أفراده، فضلا عن تشكيل الرأي العام، من خلال المعلومات المتعدّدة والمتنوّعة التي يقدّمها سواء الاعلام المرئي أو المسموع أو المكتوب للمتلقّين على اختلاف اهتماماتهم وتوجهّاتهم ومستوياتهم الفكرية والثقافية والاجتماعية، فهو اليوم وسيلة من وسائل تشكيل بنية المجتمعات ورسم ملامحها، ويعدّ جسرا للتواصل بين شعوب العالم ينمّي العقول ويكسبها قيما ثقافية في حال ما إذا اتسم بالمصداقية والموضوعية وتحلّى بالأخلاقيات المهنية في نقل الأخبار.
في زمن العولمة والتطوّر التكنولوجي، برزت الحاجة الملحة لوجود إعلام جاد، على غرار الإعلام الثقافي الذي صنع له مكانة هامة بين صفحات العديد من الجرائد التي توليه أهمية ضمن أعدادها اليومية، لما يلعبه من دور في تشكيل الوعي الثقافي في المجتمعات ويسهم في الانفتاح على ثقافات الشعوب الأخرى وتسويق المنتج الثقافي المادي واللامادي، ولم يقتصر دوره على ذلك بل بات يحمل الاعلام الثقافي على عاتقه مسؤولية تعزيز الهوّية الوطنية والانتماء، لا سيما في ظل الثورة التكنولوجية الحاصلة في العالم.
الإعلام الثقافي اليوم يعيش تحدّيات جمّة، في ظل انتشار الوسائط التكنولوجية المختلفة، ويرى مثقفون ومتخصّصون في الإعلام، أننا بحاجة ماسة إلى سياسات عمومية واضحة المعالم، تدعّم الانتقال نحو نموذج اتصالي ثقافي رقمي مستدام، يجمع بين الموروث الثقافي الوطني والابتكار التكنولوجي، ويؤسّس لشبكات إنتاج وترويج للمحتوى الثقافي المحلي ذات قدرة تنافسية داخل البيئة الرقمية العالمية، مؤكدين أيضا على أن إعادة الاعتبار للإعلام الثقافي يجعل منه عنصرا جوهريا في معركة الوعي والمواطنة والأمن الفكري.
ملف: أسامة إفراح ومحمد الصالح بن حود وإيمان كافي ورابح سلطاني وأمينة جابالله وفاطمة الوحش
نحو إعادة تعريف دور الصّحفي الثقافي ..
منذ مطلع القرن الحالي، عرف الإعلام الثقافي تحوّلات عميقة في بنيته ووظائفه، نتيجة التقدّم السريع للوسائط التكنولوجية الحديثة.. تحوّلات يتقاطع فيها الإبداع البشري مع منطق الخوارزميات، ويزدهر فيها المحتوى ضمن معايير تجارية أكثر من معاييره الرمزية أو الفكرية. من أجل ذلك، لم يعد رهان المستقبل يكمن في مقاومة الوسائط، بل في إعادة هندسة علاقتنا بها على أسس نقدية وثقافية جديدة.
شهد الإعلام عموما، والإعلام الثقافي خصوصا، في العقدين الأخيرين، تحوّلات بنيوية عميقة نتيجة الانتقال من الوسائط التقليدية إلى الوسائط التكنولوجية الحديثة، التي أعادت تشكيل البنية التواصلية والثقافية في آنٍ واحد.
مقاربات لاستيعاب تأثير التكنولوجيا
في هذا السياق، تتجلى الحاجة إلى مقاربات نظرية تُسهم في فهم هذا التحوّل، وفهم تأثير الوسائط التكنولوجية الحديثة في الإعلام الثقافي من حيث آليات إنتاجه وتمثيله وتوزيعه، والتحدّيات التي تطرحها هذه البيئة الجديدة. من أجل ذلك، وجب الاعتماد على المقاربات النظرية الكلاسيكية (ماكلوهان، كاستلز، هول) والمعاصرة (مانوفيتش، فان ديك، بوخر).
في السياق التقليدي، كان الإعلام الثقافي يُنتَج من قِبل المؤسسات الثقافية الكبرى والمثقفين، وتنتقل رموزه عبر قنوات مرجعية كالصحافة الورقية والإذاعة والتلفزيون.. غير أن هذه العلاقة تغيّرت جذريًا مع صعود البيئة الرقمية. وفقًا لما أشار إليه مانويل كاستلز في “المجتمع الشبكي” (2001)، أصبح المستخدم في العصر الرقمي منتجًا للمحتوى الثقافي وليس مستهلكًا فقط، ما أدّى إلى تشكّل فضاء تشاركي ولا مركزي تتقاطع فيه الهويات والمرجعيات الثقافية.
يتقاطع هذا مع طروحات مانوفيتش (2020) الذي يصف هذه الظاهرة بـ«الحوسبة السحابية الثقافية”، حيث تُنتج الثقافة في بيئة رقمية تحليلية ضخمة، يتم فيها استخراج أنماط الثقافة من خلال البيانات الضخمة والتفاعل الآني، ما يجعل من الثقافة نتاجًا حسابيًا بقدر ما هي رمزية. يعني ذلك أن الثقافة الرقمية أصبحت تُنتج وتُفهم بناءً على أنماط التفاعل والبيانات، لا فقط بناءً على المعايير الجمالية أو الرمزية السابقة، وهو تحول يهدّد بخسارة البُعد التأويلي العميق لصالح المقاييس الكمية مثل الإعجابات والمشاهدات.
وهكذا، فقد تراجعت هيمنة المؤسسات الثقافية التقليدية لصالح المنصّات الرقمية التي أصبحت تقوم مقام الوسيط والناشر والمُنظم. وكما بيّن مارشال ماكلوهان (1964)، فإن “الوسيط هو الرسالة”، أي أن شكل الوسيط يؤثر في مضمون الرسالة. هذه الفكرة تتعزّز اليوم مع ما تطرحه جوزيه فان ديك (2013) التي ترى أن المنصّات الرقمية الكبرى (مثل يوتيوب، وفايسبوك، وتيكتوك) ليست مجرد أدوات للنشر، بل أصبحت بنى تحتية ثقافية جديدة تتحكم في منطق الظهور والانتشار، عبر خوارزميات مبرمجة على أساس الأداء التجاري أكثر من العمق الثقافي.
من جهة أخرى، تتيح الوسائط الرقمية إمكانات للتعبير الفردي والجماعي، ما يشكّل ظاهريًا ما يُعرف بـ«ديموقراطية التعبير الثقافي”. غير أن هذا الانفتاح يحمل مفارقة خطيرة، كما أشار ستيوارت هول (1997)، حيث إن إعادة تمثيل الثقافة يخضع لصراع رمزي بين القوى المُنتجة للمعنى. وهذا ما نلاحظه اليوم في تحكم الخوارزميات في تمثيل الثقافة، كما تؤكد تاينا بوخر (2018) في نظرية “الوسيط الخوارزمي”، حيث يُبرمج الظهور الثقافي وفق منطق الإعجابات والتفاعل، ويتم إقصاء المحتوى الذي لا يحقق الأداء المطلوب، بغض النظر عن قيمته الرمزية أو المعرفية.
إضافة إلى ذلك، يُشير باحثون معاصرون مثل دافيد بيري إلى بروز مفهوم “البيانات الثقافية الكبرى” (Cultural Big Data)، حيث يُنظر إلى الثقافة كمورد رقمي قابل للاستخراج والتحليل والتوظيف، وهو ما يُعيد صياغة دور الإعلام الثقافي ضمن منطق الاقتصاد الرقمي للانتباه بدلًا من المنطق المعرفي أو الجمالي التقليدي.
تحدّيات وآفاق في ظل البيئة الرقمية
لعلّ أحد أبرز التحدّيات التي تواجه الإعلام الثقافي في البيئة الرقمية هو هيمنة السطحية وتسليع الثقافة. فالخوارزميات تفضل المحتوى القابل للمشاركة السريعة على حساب العمق. وتُبرز دراسات معاصرة مثل ما جاء في أعمال “فان ديك” و«زوبوف” أن المنصّات لا تسوق الثقافة بمعناها التنويري، بل تستخدمها كمادة خام لجذب الانتباه وتحقيق الربح. ويضاف إلى ذلك خطر التمثيلات الزائفة أو المُجتزّأة للهوية الثقافية، خاصة في السياقات العالمية، ما يؤدي إلى فقدان المعنى المحلي.
كما يشكل التوليد الآلي للمحتوى عبر الذكاء الاصطناعي تحديًا نوعيًا جديدًا، حيث يمكن “إنتاج” أعمال ثقافية زائفة، تفتقر إلى المرجعية والسياق، ما يُهدّد بتجريد الثقافة من أساسها الإنساني والتاريخي.
في المقابل، ورغم التحدّيات، فإن الوسائط التكنولوجية الحديثة تُتيح فرصًا نوعية لتجديد الفعل الثقافي. من ذلك مثلًا رقمنة التراث، وتقديم الفنون في فضاءات تفاعلية (كالواقع الافتراضي والمعزّز)، وتطوير المتاحف الرقمية، وهو ما من شأنه تقريب الثقافة من فئات مجتمعية جديدة.
وكما رأينا، تُظهر أطروحات مانوفيتش وفان ديك أن هذه الإمكانيات تصبح فعالة إذا أُدمجت ضمن رؤية نقدية ثقافية واعية، قادرة على موازنة الإبداع التكنولوجي مع القيم الرمزية والمعرفية الأصيلة.
وفي هذا الإطار، يصبح من الضروري تطوير سياسات إعلامية وثقافية جديدة، تعيد الاعتبار للبعد التربوي والمعرفي للإعلام الثقافي، بدلًا من تركه أسيرًا لسلطة الخوارزميات وهيمنتها.
أيّ مستقبل للإعلام الثقافي في عصر الذكاء الاصطناعي؟!
في خضم الثورة الرقمية القائمة على الذكاء الاصطناعي، يواجه الإعلام الثقافي تحدّيات وفرصًا غير مسبوقة، ليس فقط من حيث الأدوات المستخدمة، بل أيضًا من حيث مضمونه وأدواره ووظيفته داخل المشهد الإعلامي العام. فالذكاء الاصطناعي بات قادرًا اليوم على توليد مقالات ثقافية، تلخيص الكتب، تحليل الاتجاهات الفنية، بل وحتى محاكاة الأساليب النقدية لبعض كبار النقاد. ويطرح هذا الوضع تساؤلات حول قدرة الصحفي الثقافي على البقاء فاعلًا أساسيًا في هذه المعادلة الجديدة، أم أنه سيُستبدل تدريجيًا بخوارزميات قادرة على إنتاج محتوى ثقافي فعّال وذكي وسريع.
واقع الأمر أن الذكاء الاصطناعي لا يُقصي الصحافة الثقافية بقدر ما يُعيد تشكيلها: فالمهام الصحفية التقليدية، على غرار تغطية الفعاليات الثقافية، وإعداد الروبورتاجات، ومراجعة الأعمال الفنية، يمكن أن تُدعّم اليوم بتقنيات حديثة مثل تحليل المشاعر، الترجمة الآلية، أو استخراج المعلومة من قواعد بيانات ضخمة. غير أن هذه الأدوات تبقى محايدة من الناحية القيمية، ما يُبقي الحاجة ماسّة إلى الصحفي الثقافي بوصفه وسيطًا نقديًا وقيّميًا، يُعيد تأويل الظواهر الثقافية في ضوء سياقاتها الاجتماعية والسياسية، وليس فقط في ضوء “الترند” أو الأداء الرقمي.
من جهة ثانية، تواجه الصحافة الثقافية خطر الانجراف نحو سطحية المحتوى وتجانسه، تحت ضغط الخوارزميات التي تفضّل المقالات السريعة، والعناوين الجذابة، والمضامين البصرية القابلة للمشاركة.. وهذا ما يتطلب إعادة تفكير عميقة في وظيفة الإعلام الثقافي: هل هو مجرد تغطية للأنشطة الفنية والأدبية؟ أم أنه فضاء للنقد الجاد، والوساطة الثقافية، وصيانة الذاكرة الجمعية؟ في هذا السياق، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مساعدًا، لا بديلًا، إذا ما وُظّف لخدمة سرديات نقدية وتحليلية تتجاوز منطق الكم إلى منطق المعنى.
بمعنى آخر، يبدو مستقبل الإعلام الثقافي في عصر الذكاء الاصطناعي مرهونا بإعادة تعريف دور الصحفي الثقافي، لا كمنتج محتوى فحسب، بل كفاعل معرفي نقدي، قادر على التفاعل مع الأدوات الذكية دون أن يُفرّط في البعد الإنساني والتأويلي للعمل الصحفي. وإذا ما تمّ دمج التكنولوجيا ضمن رؤية تحريرية واضحة ومسؤولة، فإن الذكاء الاصطناعي قد يكون فرصة لتجديد الخطاب الثقافي وتوسيعه، لا لإنهائه.
في الختام، يمكن القول إن الإعلام الثقافي في الزمن الرقمي لم يعد مجرّد قناة لنقل المعاني، بل أصبح مجالًا تُعاد فيه صياغة الثقافة وإنتاجها ضمن منظومات رقمية معقدة. وكما تُظهر المقاربات النظرية المعاصرة، فإن الثقافة لم تعد مستقلة عن أدواتها، بل تشكلها الوسائط، وتعيد تشكيلها المنصّات، وتقيّمها الخوارزميات. وفي ضوء ذلك، يبدو أن الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في مواكبة التحوّل التكنولوجي، بل في ضبطه معرفيًا وقيميًا، لضمان أن تظل الثقافة في صميم الإعلام، لا على هامشه.
الدكتورة فاطمة سويتم: الإعلام الثقافي عنوان للسموّ المجتمعي
ترى الدكتورة فاطمة سويتم، أن الاعلام وسيلة لنقل ثقافة مجتمع ما إلى مجتمعات أخرى، فهو يساهم في التعريف بالتراث المادي واللامادي، وحلقة وصل بين الثقافة والجمهور، كما أنه وسيلة لحفظ الثقافة والتراث من الاندثار.
قالت الأستاذة الجامعية بجامعة “الحاج موسى أخاموك” بتمنغست، في تصريح لـ«الشعب” إن “الإعلام الثقافي يهتم بالعلاقة المتداخلة بين الاعلام والثقافة، ومن ناحية تأثير النظم الاعلامية على الثقافة وتأثير ثقافة المجتمع على الوظائف الاعلامية، فهو رسالة ثقافية للجمهور.
وتؤكد المختصة في علم الاجتماع، ما يلاحظ في الواقع أن وسائل الاعلام اليوم تقوم بإيصال المشاهد الثقافية في المجتمع للمتلقين على اختلاف الفئات المجتمعية، من خلال مشاركتها في بث مختلف الأنشطة الثقافية والمناسبات، وهو الأمر الذي لابد لوسائل الاعلام تكثيفه ونقل مجرياته، وأضافت: “رغم ما تقدمه اليوم، إلا أننا نراها في بعض المناسبات والأحداث الثقافية مغيّبة، وقد يرجع ذلك لنقص الوعي بدور الإعلام الثقافي في نقل حقيقة المجتمع وصورة ثقافته الواقعية”، وأضافت “لذلك لابد على أسرة الاعلام اليوم والقائمين عليه من تنظيم دورات تحسيسية لفائدة أفراد المجتمع، لزيادة الوعي بوظائف الاعلام ودورها في نقل وحفظ تراث وثقافة أفراد المجتمع في شتى المناسبات والتظاهرات، التي تقام في مختلف القطاعات والتجمعات الاجتماعية، والعمل على نقل وإيصال واقع ثقافة المجتمع الحقيقية، خاصة في عصر الرقمنة وتطور وسائط ووسائل التواصل الاجتماعي”.
وأفادت المتحدثة أن مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات ومواقع الانترنت حاليا تعتبر فضاء مميزا يتمكن فيه الاعلاميون والمهتمون بالتراث والثقافة، نشر كل ما من شأنه نقل المعلومات والتظاهرات ومختلف اللقاءات إلى الآخرين للتعريف بالتراث الجزائري والمحلي، وساهمت ـ بحسبها ـ الوسائط الحديثة للتعريف حتى بالإذاعات والقنوات التليفزيونية والجرائد والتسويق الالكتروني لإنتاجاتها الاعلامية، وهي قفزة نوعية للوسائط التقليدية، وكذلك استفادت من الوسائط الحديثة في توزيع ونشر مختلف التغطيات الاعلامية لها، ومن ذلك تساهم الوسائط الحديثة في توسيع دائرة الاعلام الثقافي وعامل لتوثيقه في الذاكرة الالكترونية.
في السياق، تقول سويتم إن الإعلام الثقافي يخطو خطوة جبارة بتوظيف التكنولوجيا الحديثة ويتخذها كأداة لترويج المادة الاعلامية الثقافية، من حيث أن من خصائصها الانتشار الواسع ليس على المستوى المحلي أو الوطني، وإنما حتى على المستوى العالمي أيضا، وترى المتحدثة بأن الأمر يتطلب آلية ومعارف بكيفية توظيفها لصالح الاعلام الثقافي واستغلالها الأمثل، مشيرة في سياق حديثها أنها وسيلة للتعريف بالمعالم الأثرية والفنون الشعبية على تنوّعها، كذلك يستفيد الاعلام الثقافي اليوم من ترويج للمنتجات الثقافية كالصناعات التقليدية الفنية والأدب الشعبي، وكذا تطلع العالم على العادات والتقاليد والحياة الاجتماعية للمجتمع ومعالم السياحة الثقافية بتوظيفها فيما يخدمه.
وفي ختام حديثها، تؤكد الأستاذة سويتم أن الإعلام الثقافي هو المادة التي تعكس صورة المجتمع الثقافية وهي مهمة كبيرة على عاتقه. وتضيف أنه “في ظل التكنولوجيا الحديثة أصبحت الوسائط أسرع وأنجع في إيصال المعلومات وحفظها، لذلك لابد من وضع استراتيجيات خاصة لمواكبة التطوّر والتقدّم التكنولوجي”.
الدكتورة فاطمة سويتم: الإعلام الثقافي عنوان السموّ المجتمعي..
ترى الدكتورة فاطمة سويتم، أن الاعلام وسيلة لنقل ثقافة مجتمع ما إلى مجتمعات أخرى، فهو يساهم في التعريف بالتراث المادي واللامادي، وحلقة وصل بين الثقافة والجمهور، كما أنه وسيلة لحفظ الثقافة والتراث من الاندثار.
قالت الأستاذة الجامعية بجامعة “الحاج موسى أخاموك” بتمنغست، في تصريح لـ«الشعب” إن “الإعلام الثقافي يهتم بالعلاقة المتداخلة بين الاعلام والثقافة، ومن ناحية تأثير النظم الاعلامية على الثقافة وتأثير ثقافة المجتمع على الوظائف الاعلامية، فهو رسالة ثقافية للجمهور.
وتؤكد المختصة في علم الاجتماع، ما يلاحظ في الواقع أن وسائل الاعلام اليوم تقوم بإيصال المشاهد الثقافية في المجتمع للمتلقين على اختلاف الفئات المجتمعية، من خلال مشاركتها في بث مختلف الأنشطة الثقافية والمناسبات، وهو الأمر الذي لابد لوسائل الاعلام تكثيفه ونقل مجرياته، وأضافت: “رغم ما تقدمه اليوم، إلا أننا نراها في بعض المناسبات والأحداث الثقافية مغيّبة، وقد يرجع ذلك لنقص الوعي بدور الإعلام الثقافي في نقل حقيقة المجتمع وصورة ثقافته الواقعية”، وأضافت “لذلك لابد على أسرة الاعلام اليوم والقائمين عليه من تنظيم دورات تحسيسية لفائدة أفراد المجتمع، لزيادة الوعي بوظائف الاعلام ودورها في نقل وحفظ تراث وثقافة أفراد المجتمع في شتى المناسبات والتظاهرات، التي تقام في مختلف القطاعات والتجمعات الاجتماعية، والعمل على نقل وإيصال واقع ثقافة المجتمع الحقيقية، خاصة في عصر الرقمنة وتطور وسائط ووسائل التواصل الاجتماعي”.
وأفادت المتحدثة أن مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات ومواقع الانترنت حاليا تعتبر فضاء مميزا يتمكن فيه الاعلاميون والمهتمون بالتراث والثقافة، نشر كل ما من شأنه نقل المعلومات والتظاهرات ومختلف اللقاءات إلى الآخرين للتعريف بالتراث الجزائري والمحلي، وساهمت ـ بحسبها ـ الوسائط الحديثة للتعريف حتى بالإذاعات والقنوات التليفزيونية والجرائد والتسويق الالكتروني لإنتاجاتها الاعلامية، وهي قفزة نوعية للوسائط التقليدية، وكذلك استفادت من الوسائط الحديثة في توزيع ونشر مختلف التغطيات الاعلامية لها، ومن ذلك تساهم الوسائط الحديثة في توسيع دائرة الاعلام الثقافي وعامل لتوثيقه في الذاكرة الالكترونية.
في السياق، تقول سويتم إن الإعلام الثقافي يخطو خطوة جبارة بتوظيف التكنولوجيا الحديثة ويتخذها كأداة لترويج المادة الاعلامية الثقافية، من حيث أن من خصائصها الانتشار الواسع ليس على المستوى المحلي أو الوطني، وإنما حتى على المستوى العالمي أيضا، وترى المتحدثة بأن الأمر يتطلب آلية ومعارف بكيفية توظيفها لصالح الاعلام الثقافي واستغلالها الأمثل، مشيرة في سياق حديثها أنها وسيلة للتعريف بالمعالم الأثرية والفنون الشعبية على تنوّعها، كذلك يستفيد الاعلام الثقافي اليوم من ترويج للمنتجات الثقافية كالصناعات التقليدية الفنية والأدب الشعبي، وكذا تطلع العالم على العادات والتقاليد والحياة الاجتماعية للمجتمع ومعالم السياحة الثقافية بتوظيفها فيما يخدمه.
وفي ختام حديثها، تؤكد الأستاذة سويتم أن الإعلام الثقافي هو المادة التي تعكس صورة المجتمع الثقافية وهي مهمة كبيرة على عاتقه. وتضيف أنه “في ظل التكنولوجيا الحديثة أصبحت الوسائط أسرع وأنجع في إيصال المعلومات وحفظها، لذلك لابد من وضع استراتيجيات خاصة لمواكبة التطوّر والتقدّم التكنولوجي”.
الشاعر محمد رحال: الإعلام الثقافي يكرّس الهوّية الوطنية
يرى الشاعر محمد رحال أن واقع الإعلام اليوم ودوره في دعم المشهد الثقافي وإيصال رسالة الثقافة بجميع أشكالها إلى مختلف فئات المجتمع، يأخذ منحى إيجابي كون الإعلام الثقافي يعدّ أهم نسق إعلامي متخصّص، يتناول كل المسائل والفعاليات والظواهر المتصلة بالشأن الثقافي وترتيباته.
ويقول الشاعر محمد رحال في حديث مع “الشعب” أن هذا النمط من الإعلام يتوجّه إلى مختلف أنواع الجمهور العام أو المهتم بالمسائل الثقافية، حيث يضطلع الإعلام الثقافي برصد وعرض وتحليل والتفاعل مع مختلف الانتاجات والنشاطات الثقافية، وإيصالها لجميع فئات المجتمع في ظل الرقمنة الثقافية والتطورات التكنولوجية التي تأثر بها الإعلام حديثا.
ويرى المتحدث أن للثقافة الرقمية اليوم أهمية كبرى، إذ يمكن للإعلام أن يواكبها عبر تغطية مستجدات الحياة الثقافية، والترويج للموروث الحضاري، وإبراز الإسهامات الفكرية والفنية في مختلف المجالات، مبرزا أن هذه الوسائط تفتح آفاقا جديدة للبحث والابتكار في التخصصات الثقافية، وتساهم في تطوير منظومة الإعلام الثقافي على المستوى المحلي، الوطني والإقليمي.
وعن كيفية توظيف الوسائط التكنولوجية الحديثة لصناعة إعلام قادر على تعزيز الوعي الثقافي لدى أفراد المجتمع، فيعتقد المتحدّث، أنه يمكن ذلك عن طريق مواكبة كل ما هو جديد في مجال الثقافة، خاصة وأن الإعلام يشهد تطورات حديثة في مجال الوسائط الرقمية التي يمكن لها أن تحصر الوقت والزمن، وتعمل على أبعاد الصورة بأحدث تقنياتها في ظل الذكاء الاصطناعي الذي يجب أن نستغله خاصة في المجال الثقافي، ويقول رحال إنه “من المهم أن نستثمر أكثر في إيجابياته لحفظ الموروث الثقافي وتعزيز الوعي الجمعي وخدمة الإعلام وفتح آفاق جديدة والبحث على تخصصات جديدة، والعمل على مستجدات الحياة الثقافية في كل رهاناتها وأجنداتها على كافة المستويات المحلية والوطنية والتظاهرات الدولية، عن طريق تغطية نشاطاتها والتعريف بمجالاتها وتسليط الضوء على أبرز إسهاماتها”.
وبالرغم من الفرص الكبيرة التي تتيحها الوسائط التكنولوجية، إلا أن الإعلام الثقافي يواجه جملة من التحديات، ومنها كما يشير إلى ذلك الشاعر محمد رحال “تغير سلوكيات المتلقي”، حيث أصبح الجمهور يفضل الوصول إلى المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، بدل الاعتماد على الوسائل التقليدية كالتلفزيون والصحف، ما أدى إلى تراجع نسب المقروئية والمتابعة، إضافة إلى “تحديات المحتوى” فمن منظوره يواجه الإعلام الثقافي صعوبة في إنتاج محتوى يتوافق مع تطلعات الجمهور المستهدف، ويتماشى مع التغيرات في الذوق العام واهتمامات المتلقين. وأيضا “التحدي التقني” حيث لفت الشاعر إلى أن الإعلام الثقافي يحتاج إلى تقنيات عالية الجودة لضمان تجربة تفاعلية فعالة، ما يتطلب موارد وإمكانات ليست متوفرة دائما، ثم “التحدي المالي” إذ يشكل التمويل ـ بحسب المتحدث ـ أحد أكبر العقبات، خاصة مع تراجع الإعلانات الموجهة إلى الإعلام الثقافي، وهو ما يؤثر على استدامة المشاريع الإعلامية المتخصصة.
الباحث عباش لعياشي: اليقظة الإعلامية الثقافية ضرورية لحماية الوعي الجمعي
أكد أستاذ علوم الإعلام والاتصال بجامعة محمد البشير الإبراهيمي ببرج بوعريريج، عباش لعياشي، في تصريح لـ«الشعب” أن الإعلام الثقافي بالجزائر يواجه تحدّيات متزايدة في ظل التحوّلات البنيوية التي يشهدها المشهد الاتصالي، بفعل تطوّر الوسائط التكنولوجية الحديثة..
وقال الأستاذ عباش لعياشي إن الانتقال من الوسائط التقليدية من الشاشة الكبيرة (السينما) إلى الشاشة الصغيرة (التلفزيون) إلى الشاشات الأكثر صغرا وعلى رأسها الهواتف الذكية ومنصّات التواصل الاجتماعي، فرض علينا نمطا جديدا من التفاعل الثقافي، يستوجب ـ بحسبه ـ إعادة النظر في كثير من المفاهيم التقليدية للاتصال الثقافي وأدواره ووظائفه.
وأشار المتحدث إلى التغيرات الحاصلة في البيئة الرقمية اليوم وعلاقاتها بالمتلقي، وما أفرزته من أنواع اتصالية غير مسبوقة، إذ لم يعد المتلقي، يقول “مجرد مستهلك سلبي للمحتوى الثقافي، بل أصبح فاعلا ومشاركا في إنتاجه وترويجه من خلال ما تتيحه الوسائط التفاعلية من أدوات سهلة وسريعة الوصول، الأمر الذي حوّل المستخدم إلى – منتج ثقافي رقمي- قد يؤثر في الذوق العام والتصوّرات الجماعية، ما يستدعي تأطير هذا الفضاء الرقمي برؤية اتصالية ثقافية واستراتيجية تراعي خصوصية الهوّية الوطنية وتحدّيات السيادة الرمزية في فضاء عالمي مفتوح”.
وأفاد الباحث عباش لعياشي بأن النخبة الثقافية الجزائرية مدعوة اليوم- أكثر من أي وقت مضى- للانخراط الواعي والمساهمة الفعالة في هذا الفضاء الرقمي، لبناء خطاب ثقافي بديل، يتسم بالرصانة والعمق والقدرة على التأثير، ويتعدى مسألة انتاج محتوى ثقافي نوعي وفقط، قائم على توظيف الأشكال الصحفية الحديثة، على غرار التدوين الصحفي “البودكاست”، التدوين المرئي “الفلوغ الثقافي”، البث المباشر لمختلف الفعاليات الثقافية وغيرها، بغرض الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور، خاصة فئة الشباب التي أصبحت تعتمد بشكل شبه كلي على الوسائط الرقمية في بناء ما أسماه برؤيتها للعالم وللذات.
ويرى المتحدث بأننا اليوم بحاجة ماسة إلى سياسات عمومية واضحة المعالم، تدعم الانتقال نحو نموذج اتصالي ثقافي رقمي مستدام، يجمع بين الموروث الثقافي الوطني والابتكار التكنولوجي، ويؤسس لشبكات إنتاج وترويج للمحتوى الثقافي المحلي ذات قدرة تنافسية داخل البيئة الرقمية العالمية، ويضيف “مع العمل على الاستغلال الأمثل لطفرة المؤثرين الشباب الذين يصنعون بمبادراتهم الفردية محتويات إعلامية رقمية راقية تلقى رواجا كبيرا على الشبكات الاجتماعية، وتساهم بشكل فعال للموروث الثقافي الجزائري وتدافع عنه في المحافل الدولية.”
وتحدّث أستاذ علوم الإعلام والاتصال، عن أبرز التحديات التي تواجه الإعلام الثقافي في ظل الاستخدام الشائع للتكنولوجيا، مشيرا إلى أن غياب الرؤية المتكاملة سيترك المجال مفتوحا ويجعلنا عرضة لما اعتبره بـ«الاختراقات الثقافية الأجنبية” عبر محتويات رقمية مستوردة أو مجهولة المصدر، تظهر في شكل محتويات تتعارض مع المنظومة القيمية للمجتمع الجزائري، أو تُروّج لأجندات وايديولوجيات مشبوهة، وهو ما يفرض ـ في نظره ـ يقظة إعلامية وثقافية متواصلة لحماية الوعي الجمعي وضمان استمرارية المشروع الثقافي الوطني في بيئة إعلامية عابرة للحدود.
الاعلاميـة رشيدة براهيمي: توظيف الوسائط التواصلية في تعزيز الوعي الثقافي
ترى الدكتورة والإعلامية رشيدة براهيمي أن الإعلام الجزائري يُقدم للملتقي مادة إعلامية ثقافية مائزة بكل المقاييس، بالرغم من التطور التكنولوجي الذي تعيشه المعمورة، مشيرة إلى أن السباق ما يزال على عهده في تغطية مختلف الأنشطة والفعاليات الثقافية الهادفة بكل دقة وموضوعية، كما أكدت بأن هذا المجهود المبذول لهو الرهان الذي دائما نعلّق عليه آمالنا في كل سانحة نقف فيها مجندين خلال اليوم العالمي للصحافة.
تقول الدكتورة براهيمي في تصريح لـ«الشعب” إنه “لا يمكن أن نعرّج عن المجال الثقافي بدون أن نشيد بالدور الذي لازالت تلعبه الجرائد اليومية في المساهمة في تقديم مادة إعلامية ثقافية مائة بالمائة، تفننت في نسج مواضيعها أقلام مخضرمة بمعية أسماء سيكون لها شأن عظيم لاسيما المساهمات القيمة لأساتذة ينشطون في مختلف حقول الثقافة من أدب وشعر وفلسفة ورؤى استشرافية لواقع المثقف وتحركاته”.
وخصصت براهيمي – في هذا المقام – حديثها عن الإعلام المسموع وبالضبط “الإذاعة الجزائرية”، حيث أفادت بأن هذه الأخيرة وبمختلف قنواتها، حاولت الاهتمام أكثر بالثقافة وتغيير الصورة النمطية التي دأب على معايشتها المستمع الجزائري عبر التراب الوطني، إضافة إلى الإذاعة الثقافية “التي تعمل منذ تأسيسها على ترتيب أجندة ثقافية وتقديم باقة برامج تُشبع نهم المستمع وتروي عطشه إلى ثقافة بلاده، فاختلفت وتنوّعت البرامج لتهتم بالشعر والأدب بصفة عامة، وبالمسرح والسينما والمهرجانات الثقافية والتراثية التي تقام هنا وهناك”..
وتضيف براهيمي: “لا ينكر إلا جاحد الدور الكبير الذي تلعبه الإذاعة الثقافية، في تثقيف الناس وتقريبهم من هذا العالم الجميل، الذي يعبّر عن حضارة زاخرة لبلادنا تتنوّع بحسب الجهات الأربع للوطن، ولا تزال تعمل جاهدة على جعل الناس يهتمون أكثر بثقافتهم ويتعرفون على المخزون الكبير الذي ننعم به”.
وفي حديثها عن دور وسائل الإعلام الثقيلة في تسليط الضوء على المشهد الثقافي بالجزائر، قالت براهيمي “إن بينها ما يفتقد إلى برامج ثقافية دائمة تشد انتباه المشاهد إليها”، لتتابع، بأنه “لا توجد برامج ثقافية ثابتة في الشبكة البرامجية لمختلف القنوات، بل هي برامج مناسباتية مرتبطة بأحداث معينة، ينتهي الحديث عنها بمجرد انتهاء الحدث الثقافي”.
وفيما يخص توظيف الوسائط التكنولوجية الحديثة لصناعة إعلام قادر على تعزيز الوعي الثقافي لدى أفراد المجتمع، ذكرت براهيمي بأن وسائل التكنولوجيا الحديثة فتحت الأبواب على مصراعيها “لأي شخص كان أن يصبح صحفيا بالمعنى الذي يراه هو نفسه، إذ أصبح كل من يملك هاتفا، يصوّر ويكتب ما يشاء عند حضوره لأي نشاط ثقافي في منطقته أو مدينته محاولا التعريف بالنشاط، باعثا رسالة أمل أن الثقافة هنا بخير”.
وتضيف: “لو عدنا إلى مهرجان سينما البحر المتوسط في عنابة، نجد أن كثيرين كتبوا عنه وصوروا أحداثه ونشروا ما يفسح المجال لمن هم خارج المدينة معرفة تفاصيل أكثر عن التظاهرة، فتكون منشورات هذا المواطن مرافقة لبرامج ومراسلات الصحفيين لقنواتهم الإذاعية أو التلفزيونية”، وقالت أيضا “كذلك الأمر بالنسبة لمهرجان الفيلم العربي بوهران، حيث استمتع المهتم بالشأن السينمائي والفني بمجريات الفعالية الفنية، بفضل ما قدّمته وسائل التكنولوجيا الحديثة، التي كانت تكمل عمل التلفزيونات صوتا وصورة، وما كان يبحث عنه المشاهد”.
وترى المتحدثة أن وسائل التكنولوجيا الحديثة يمكنها توفير مادة إعلامية تخدم الثقافة في الجزائر مهما كانت النقائص والسلبيات، حيث أنها تساهم في التعريف والتدوين لمثل هذه النشاطات”..
الباحث خليل بن عزة: لا بديل لإعلام ثقافي يبني الوعي ويعزّز المواطنة
في ظل التحوّلات الرقمية المتسارعة، وهيمنة الخوارزميات والمحتويات الترفيهية، دعا الدكتور خليل بن عزة، الباحث في الإعلام الثقافي والاتصال، إلى إعادة الاعتبار للإعلام الثقافي كرافعة أساسية في بناء الوعي الجمعي وتعزيز المواطنة. ولفت في تصريحه لـ«الشعب”، أن هذا القطاع يعيش اليوم ما وصفه بـ«فجوة الرؤية وضعف التخصّص”، في وقت تتشابك فيه وسائط الإعلام وتتغير أنماط الاستهلاك الثقافي بشكل جذري.
أكّد الدكتور بن عزة أن الإعلام الثقافي يواجه تحديات نوعية تتطلب إعادة ترتيب الأولويات، وإعادة صياغة الأدوات والأساليب، لمواكبة السياقات الجديدة التي تفرضها الوسائط الرقمية التفاعلية، خاصة في ظل انفتاح المشهد الثقافي على فاعلين جُدد ومنصات غير تقليدية.
وأشار إلى أن الثقافة لم تعد حكرا على النخب، ولا حبيسة المنابر الورقية أو البرامج الكلاسيكية، بل أصبحت تتوزّع وتتفكك أحيانا داخل فضاءات مثل منصات التواصل الاجتماعي، تطبيقات البث، الفيديوهات القصيرة، البودكاست، وحتى الذكاء الاصطناعي التفاعلي، ما يستدعي ـ بحسبه ـ الانتقال من منطق الجماهيرية إلى منطق التفاعلية، ومن الأحادية إلى التعددية.
وأوضح أن الإعلام الثقافي، على الرغم من بعض المبادرات الإيجابية التي تستحق التثمين، لا يزال يعاني من التهميش في وسائل الإعلام الجماهيرية، سواء من حيث الزمن المخصص له أو من حيث نقص الكفاءات المتخصصة القادرة على إنتاج محتوى نوعي. وأضاف: “غالبا ما يُنظر إلى البرامج الثقافية كمجرد زينة، بدل اعتبارها عنصراً استراتيجياً في بناء الوعي وصون الذاكرة الحضارية”.
ولفت الدكتور بن عزة الانتباه إلى أن الخطاب الثقافي نفسه بحاجة إلى التجديد، إذ يعاني من النمطية والانغلاق، ولا يواكب تحوّلات الذائقة لدى فئات واسعة من المجتمع، خصوصاً الشباب من أجيال الألفية وYوZ وألفا، داعيا إلى تطوير المفاهيم وأساليب السرد والتواصل مع الجمهور.
وفي حديثه عن الفرص التي تتيحها الوسائط الجديدة، قال: “وسائط الإعلام الرقمي تتيح فرصاً غير مسبوقة لتحرير الثقافة من أسر البيروقراطية الإعلامية”، مشيرا إلى أنها تمكّن من إنتاج واستهلاك الثقافة بمرونة، والوصول إلى جمهور متنوّع وعابر للحدود. لكنه شدد على أن هذه الفرص لا تُستثمر تلقائيا، بل تتطلب وعيا إعلاميا قادرا على توظيف الوسائط الرقمية لإنتاج محتوى تفاعلي وجذاب، يحترم المعايير المهنية والقيم الحضارية.
وأكد محدّثنا أن الإعلام الثقافي اليوم يمكنه، من خلال الوسائط التفاعلية، أن يتحوّل من مجرد ناقل للمعلومة إلى فاعل مؤثر في النقاش العمومي، ومساهم في صياغة الذوق العام، ومحفّز للتفكير النقدي، مشدداً على ضرورة إدماج الثقافة في السياسات الإعلامية، وتكوين جيل جديد من الصحفيين الثقافيين الملمين بأدوات السرد الرقمي والقراءة المتقاطعة للخطابات.
أما عن أبرز التحدّيات التي تعيق تطوّر الإعلام الثقافي، فأشار إلى “هيمنة الترفيه وسطوة الخوارزميات”، موضحاً أن الخطاب الثقافي يُهمّش في البيئة الرقمية لصالح محتويات سريعة الاستهلاك ومدرّة للربح، تدعمها الخوارزميات. وأضاف: “فقاعة التريندات وسطوة الرأي السريع تقلّلان من فرص ترسيخ محتوى ثقافي يتطلب التأمل والفهم”، محذّرا أيضا من مخاطر التزييف المعلوماتي، وانتشار الأخبار الزائفة والمحتويات غير الموثوقة معرفياً.
وختم الدكتور خليل بن عزة تصريحه بالتأكيد على أن “إعادة الاعتبار للإعلام الثقافي أصبحت ضرورة، لا باعتباره قطاعا هامشيا أو ثانويا، بل كعنصر جوهري في معركة الوعي والمواطنة والأمن الفكري”، مضيفاً أن “الثقافة لم تكن يوما ترفا، بل هي درع المجتمع، ومرآته، ومحركه نحو النماء في مختلف مجالات الحياة”.