أخرجت سوق الكباش شجعانها، ورفعت أسهمها، وبدأت المزايدات والمزايدات المضادة، هذا يزايد في الأسعار بحكم غلاء العلف وقلة المطر، وذاك يزايد في السّخرية بما تراكم لديه من خبرة بألاعيب الموّالين والتّجار والسّماسرة، والمواظبين على انتهاز كل المناسبات، مهما تكن، في الإثراء على حساب المغبونين في الأرض..
ولقد ارتفعت بعض الأصوات بأحاديث عن كباش بلغ سعرها اثنين وثلاثين مليونا بالتمام والكمال، وقيل إنّ هذه كباش تستغل في المعارك التي تستقطب المراهنين، وأنّها يمكن أن تحقّق لمن يشتريها أرباحا طائلة، ورغم أن اللّعبة، قمار واضح لا غبار عليه، إلا أنّها تجد القبول في أوساط كثيرين ممّن يتأهبون لتأدية شعيرة الأضحى المبارك بقلوب راضية، فهذه بركة نادرة في نوع العقليات وأساليب التحليل، وتسمح لصاحبها بأن يجمع بين الماء والنار في يد واحدة، وهي منتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة مذهلة..
أما متوسّط سعر الخروف العادي، فهو يتراوح – لحدّ كتابة هذه الأسطر – بين ستين وسبعين ألف دينار، بينما قد يصل سعر (الخُريّف) إلى أربعين ألف دينار، دون حساب المصروف على (الباركينغور)، وهكذا يضيع معنى «الفداء» الذي تسيّره فكرة «عيد الأضحى»، ويتحوّل إلى نوع من الكرنفالات التي تُشيع الانتهازية، وتفسح للمغامرين والمقامرين وما أكل السّبع..
إنّ عيد الأضحى فكرة تعانق السّمو وتتعالى في سماوات نكران الذّات، ولكنّها ضيّعت معانيها من كثرة ما ساد بين الناس من أساطير (انفرْحُوا الذّراري) و(كبشنا يغلب كبشكم) وترّهات كثيرة تراكمت، فصار العيد عبئا على المغبونين في الأرض، عوض أن يكون فرحة، بل أصبح مساحة مشاحنات، عوض أن يكون فسحة لتنقية النفس ممّا يعتريها من أدران، ونرى أن الواجب يقتضي استعادة قيم العيد أوّلا، والحرص على إفشاء مظاهر الفرح..هذا المقتضى..ما دونه ليس سوى مناسبة تمرّ..في انتظار مناسبة تالية..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.