ما زال محلّلو (العصر الحديث) يصرّون على أنّ إشكالية المقروئية (بالعالم الثالث) مقترنة حصرا بالواقع الرّقمي الجديد الذي فرض نفسه، وجاءنا بجيل لا يصبر على قراءة نصف صفحة، بل لا يصبر على متابعة فيديو من أربع دقائق (إن لم يكن مثيرا)..
والحق أن «الرقمي» لم يكن له أيّ تأثير سلبي على المقروئية منذ تحوّله إلى واقع معيش؛ ذلك أن العالم الممثّل للحضارة المهيمنة، شهد ارتفاعا محسوسا في مادة «القراءة» بفضل شبكة الأنترنيت. ولقد انتعشت سوق النّشر بأسلوب مذهل، وصارت تقترح وسائط قراءة جديدة، دون أن تحدث ضررا بالوسيط الورقيّ الكلاسيكي، وليس أدلّ على هذا من الأرقام التي تقدّمها دور النّشر العالمية كلّ عام، فالناس يتحدّثون عن طبعات بالملايين، ويتحدثون عن تهافت القراء على فلان وعلاّن من الكتّاب، دون أن ينتبه المحللون (المحدثون) عندنا، للتناقض الصارخ الذي توقعهم فيه تلك الأرقام.
ولسنا نحتاج إلى القول بأنّ النّجاح، في كلّ القطاعات، يعتمد كليّا على القراءة، حتى وإن كان هناك من لا يستطيع أن يستوعب بأن نجاح قطاع الفلاحة مثلا، مرتبط بالقراءة ارتباطا وثيقا، فنحن هنا لا نرغب في شرح تحصيل الحاصل، وإنّما نقصد إلى توضيح ما يعتمل في البنى الفكرية لـ»العقل الثالث» من تناقضات هي أساس تفكيره، وأسلوب معالجته لمختلف ما يواجه من إشكاليات في الحياة اليومية.
ونعتقد أن تجاوز إشكالية المقروئية عندنا، يقتضي بعض الجهد، بعيدا عن الأفكار المعلّبة، والحلول الجاهزة، على الأقل، بعد أن أثبتت الاستراتيجيات القديمة محدوديتها، وبرهنت النشاطات الواجهاتية على قصورها، ورطانة لهجتها في معالجة ظاهرة عويصة تحتاج إلى جهود النّخبة الحقيقية من أجل تجاوز «الخراب» الذي أحدثته النّخب المغشوشة.
موقع الشعب يستخدم نظام الكوكيز. استمرارك في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط . موافق