ملف الصّحة على رأس الأولويات في زمن جائحة كورونا
مقاربـة جديـدة من أجل الديناميكيـة الاقتصادية
شكّل تزامُن تداعيات الجائحة العالمية مع رسم أوّل خطوة نحو الجزائر الجديدة امتحانا صعبا أمام رئيس الجمهورية، لكنه كيّف قراراته بما يتناسب مع التزامه الأول في حماية سلامة المواطن، فكان واضحا أخذه بعين الاعتبار الظرف الاستثنائي الذي تعيشه الجزائر، فجاءت سياسته مؤكدة استمرار دعم الدولة للفئات الهشّة مع العمل على مرافقتها لتكون من محركات العجلة الاقتصادية، بالإضافة إلى إصدار قوانين للحد من الظاهرة الاجتماعية التي مسّت استقرار المجتمع وسلامته، وكذا ضمان التكفل بالانشغالات والمتطلبات الاجتماعية لبعض الكوارث كزلزال ميلة والحرائق التي عرفتها مختلف مناطق الوطن.
حماية المجتمع من الجريمة.. أولوية
عكس قانون الوقاية من جرائم اختطاف الأطفال في كل صورها التزام الدولة بحماية المواطنين وتعزيز العدالة وسلطان القانون لتقوية المسار الديمقراطي، الى جانب حماية الضعفاء بعد تفشي هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع الجزائري وتسببها في الكثير من المآسي الاجتماعية.
وعلى اعتبار أن جريمة الاختطاف من الجرائم الماسة بالحق العام في الحياة والحرية وأمن الافراد، استدعى تطورها في الجزائر تدخل حازم من أعلى هرم في السلطة لمواجهتها والحد منها، حيث أسدى رئيس الجمهورية تعليماته للحكومة لإعداد قانون للتصدي لها خاصة وأنها أصبحت تشكل تحديا للسلطات الأمنية والقضائية والمجتمع المدني. ولم يتوان وزير العدل في هذا السياق عن الإعلان عن تطبيق عقوبة الإعدام ان اقتضت الضرورة، مع فرض أقصى العقوبات على مرتكبيها مع عدم تخفيفها أو الاستفادة من العفو مهما كانت أسباب وخلفيات اقتراف هذه الجريمة.
وشكل قانون الوقاية من عصابات الأحياء ومكافحتها خطوة مهمة لوضع آليات للوقاية من عصابات الاحياء عن طريق استراتيجية وطنية يشارك فيها المجتمع المدني، حيث تصل عقوبات جرائم عصابات الاحياء الى المؤبد وذلك بحسب خطورة الفعل المرتكب، وكذا معاقبة كل شخص ينشئ أو ينظم أو ينخرط أو يشارك فيها بأي شكل كان مع علمه بغرضها، مع وضع استراتيجية وطنية للحد من هذه الظاهرة.
المقاربة الاجتماعية الجديدة
وضع رئيس الجمهورية مقاربة جديدة تجمع بين الشق الاقتصادي والاجتماعي، ولعل تفعيل دور المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي وكذا تغيير تسمية الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب (اونساج) الى الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية، خير دليل على السياسة التي ينتهجها من أجل اخراج الجانب الاجتماعي من الاتكالية الصرفة والارتكان الى صفة «فئة هشة» لتتحول الى فئة تساهم في التنمية الاقتصادية والاستقلالية المادية خاصة في ما يتعلق بقطاع المؤسسات المصغرة وتشغيل الشباب.
وتعمل الدولة إلى جانب سياسة دعم الطبقة الهشة وذوي الاحتياجات الخاصة أو الارامل والمطلقات، على انخراطها في الحياة الاقتصادية من خلال وكالة «اونجام» ووكالة التنمية الاجتماعية، حيث تم رصد 1500 مشروع مصغر لذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة الى تخصيص مشاريع مصغرة للمرأة الماكثة بالبيت لتساهم بفعالية في تحريك العجلة الاقتصادية من خلال آلية «الاسرة المنتجة».
وشدّد رئيس الجمهورية أكثر من مرة على الدور المحوري الذي يقوم به الشباب في التنمية الاقتصادية، ما جعله يدعو الى انشاء صندوق لتمويل المؤسسات الناشئة ما يتلاءم وطموحات هذه الفئة، كما أقرّ أيضا إعفاءات ضريبية جديدة لفائدة المؤسسات الناشئة وتسهيلات للاستفادة من العقار لإنشاء الحاضنات والمسرّعات، بالإضافة الى تعهده بالقضاء على البيروقراطية بغية منع هجرة الشباب الى الخارج وهو ما يساهم في القضاء على البطالة وامتصاصها.
سلامة المواطن خط أحمر
شكلت الهزات الارتدادية للأزمة الصحية العالمية أحد التحديات المهمة لرئيس الجمهورية بسبب تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية التي أثرت على المواطنين بشكل كبير، خاصة وأن البعض منهم وجد نفسه بلا عمل أو دخل يحفظ كرامته وكرامة عائلته، لكن ورغم تداعيات الجائحة العالمية الاقتصادية، إلا ان سلامة وصحة المواطن شكلت الأولوية بل خط أحمر بالنسبة للسيد عبد المجيد تبون.
ولتجاوز آثارها أو التخفيف منها على الأقل، أقر رئيس الجمهورية قرارات فورية منها التجميد الفوري لكل عمليات تسديد الأعباء المالية والالتزامات الجبائية وشبه الجبائية الواقعة على المتعاملين الاقتصاديين خلال فترة الحجر الصحي، بحيث لن تطبق أي عقوبات أو غرامات على هؤلاء المتعاملين خلال هذه الفترة.
الى جانب تقييم دقيق للأضرار الناجمة والخسائر التي لحقت بهم خاصة فيما يتعلق بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب المهن الصغيرة والحرفيين، كما أسدى رئيس الجمهورية بمنح مساعدة مالية لفائدة هذه الشريحة خاصة سائقي سيارات الأجرة، الحلاقين وحرفيي الصناعات التقليدية بقيمة 30 ألف دج.
وأمر رئيس الجمهورية المعنيين أيضا تجنب فرض الضرائب التي ليس لها تأثير على حجم الميزانية والاستمرار في تخفيف الأعباء على المواطنين حفاظا على مناصب الشغل، الى جانب تسقيف سعر الفحوصات بالسكانير في حدود 7000 دج وتحاليل «بي. آر. سي.» بـ 8800دج، و المضاد للجين بـ 3600 دج، أما التحاليل الفيزولوجية فبـ 2200دج.
لم تكن المساعدات والتعويضات المالية الصورة الوحيدة لتكفل الدولة بمواطنيها في ظل الازمة الصحية، بل عملت أيضا على اجلاء رعاياها العالقين في مختلف دول العالم بسبب غلق المطارات، فكانت رحلة «الاجلاء» الفوري لأبناء الجالية الجزائرية المتواجدين بمدينة «ووهان» الصينية في 28 جانفي الفارط، حيث تم اجلاء 36 مقيما بهذه المدينة كان أغلبهم من الطلبة أول رحلة لإعادة أبناء الوطن الى أرضهم، لتتوالى بعد ذلك عدة رحلات من مختلف دول العالم، ما يعكس التزام رئيس الجمهورية بتطبيق تعهداته الانتخابية والتي كان حماية الجالية الوطنية للمغتربين وترقية مشاركتهم في التجديد الوطني واحدا منها.
وأعطى رئيس الجمهورية من خلال التدابير الاحترازية المتخذة، شهر مارس الماضي، الأولوية في حماية الأطفال والنساء، حيث وبمجرد اعلان حالة الطوارئ من طرف منظمة الصحة العالمية اتخذ جملة من القرارات كان أهمها غلق المدارس حفاظا على صحة الأطفال المتمدرسين، وكذا منح النساء الحوامل والمربيات ومن تعانين أمراضا مزمنة عطلة استثنائية مدفوعة الأجر، ما شكل ارتياحا كبيرا لدى النساء اللواتي وجدن أنفسهن غير معنيات بالتفكير في طريقة المحافظة على أبنائهن، ما يعكس اطلاع رئيس الجمهورية على الواقع الذي تعيشه المرأة في حياتها اليومية.
الزلزال والحرائق.. صورة أخرى للتكافل
كان الزلزال الذي هز ولاية ميلة، شهر أوت الفارط، صورة أخرى لأولوية سلامة المواطن في سياسة رئيس الجمهورية، حيث تم توفير كل الإمكانيات والوسائل لمساعدة المتضررين، وكذا وضع برنامج خاص لترميم السكنات المتضررة وتعويض أصحابها، ويتذكر الجميع الانزال الوزاري الذي عرفته الولاية من اجل تلافي الاضرار التي تسبب فيها الزلزال.
وشكلت الحرائق التي عرفتها مختلف مناطق الوطن شهر جويلية وأكتوبر الماضيين خطرا حقيقيا على المواطنين، حيث سخرت الدولة كل الإمكانيات المتوفرة لإخمادها من شاحنات وطائرات هليكوبتر، مع فتح تحقيق حول الأسباب التي أدت الى اشتعالها، كما تم التكفل بالعائلات المتضررة خاصة السكان والفلاحين.
لا تراجع عن دعم الفئات الهشّة
عرفت السنة الأولى من العهدة الرئاسية لعبد المجيد تبون إصدار العديد من القرارات تصّب كلها في اتجاه واحد هو دعم القدرة الشرائية للمواطن، وأكد قانون المالية لسنة 2021 المصادق عليه مؤخرا من طرف غرفتي البرلمان العليا والسفلى، مواصلة الدولة سياسة الدعم.
وبلغت التحويلات الاجتماعية من ميزانية الدولة للسنة الداخلة مبلغ1.929،351 مليار دج بارتفاع قدره 81،58 مليار دج مقارنة بسنة 2020 أي بنسبة 4،43 بالمائة لدعم القدرة الشرائية للمواطنين.
وفي نفس السياق، تمت دعوة المعنيين على تحديد الفئات المستحقة لهذا الدعم خاصة في ظل التلاعبات التي يقوم بها البعض من اجل الاستفادة من المواد الأساسية المدعمة كالحليب والدقيق الأبيض في استثماراتهم الخاصة، وهو ما سيشكل رهانا حقيقيا أمام المشرفين على وصول الدعم الى مستحقيه الحقيقيين.
وقد كانت مناطق الظل في عمق الدعم الاجتماعي للدولة خاصة المناطق النائية التي غيبَتها السياسات السابقة من برامج التنمية رغم البحبوحة المالية التي عاشتها الجزائر في تلك الفترة، ما جعلها تفتقد للبنى التحتية خاصة التهيئة العمرانية، بل أصبحت في نفس الوقت تحد حقيقي لرئيس الجمهورية من اجل رفع حالة الغبن عنها والتهميش الذي عانته لسنوات طويلة حولها مع مرور الوقت الى مجرد شعارات رنانة في سياسات شعبوية، حيث خصصت الدولة ميزانية بقيمة 50 مليار دج للتنمية في هذه المناطق.
وحرصت الدولة أيضا مرافقة الزيادات التي عرفتها أسعار الوقود بقرارات تحافظ على القدرة الشرائية للمواطن، على غرار اعفاء ذوي الأجور التي تقل عن 30 ألف دج من الضريبة على الدخل، ما سمح بزيادات في رواتبهم تتراوح بين 20 الى 25 بالمائة.
الشق الاجتماعي أولوية
فرض الشق الاجتماعي نفسه أولوية في التزامات رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي حيث التزم بحل أزمة السكن وجعل الحصول على السكن أولوية مطلقة، الاعفاء الضريبي التام للمداخيل المنخفضة، الحفاظ على النظام الوطني للضمان الاجتماعي والتقاعد، دعم انشاء المشاريع وتحسين أداء الوكالة الوطنية للتشغيل وأخيرا حماية الجالية الوطنية للمغتربين وترقية مشاركتهم في التجديد الوطني.
وشكلت الازمة الصحية العالمية عائقا قويا أمام التطبيق الكامل لها، لكن لم تقف أمام تجسيدها على ارض الواقع، فالجائحة العالمية أبانت عن تضامن تام بين الدولة ومواطنيها، تكفل بانشغالات ولدتها تداعيات انتشار فيروس كورونا خاصة في ظل انهيار أسعار النفط في السوق العالمية.